لماذا سميت السورة بآل عمران؟ وما الدلالات التي نستخرجها؟
سورة آل عمران تتحدث عن وفد نجران لما حصل بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم بعض المحاورة والمناظرة وفي آخرها نزلت السورة تتحدث عن هذه القضية وأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بالمباهلة والسورة كلها تدور حول هذه القصة. فموضوع السورة هو إثبات توحيد الله دفعاً لشبهة النصارى في التكذيب.
وسبحان الله بدأت السورة بهذا الاسم فيها نسف لشبهة النصارى فعيسى من آل عمران والسورة آل عمران يعني يعني إذن هو بشر ما هو بإله أصلاً ولا هو ابن إله إنما هو نبي مرسل عليه الصلاة والسلام من ذرية آل عمران يعني بشر، فعمران زوجته طلبت ولداً فرزقها الله مريم ومريم رزقها الله بعيسى فعيسى بن عمران بن مريم هو من ذرية آل عمران فالسورة آل عمران من أول السورة من إسم السورة نسف شبهة التثليث.
فهذا الاسم ـ تعرف القرآن بعض أسمائه اجتهادية وبعضها منصوصة ـ هذا من الأسماء المنصوصة (اقرؤوا القرآن . فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه . اقرؤوا الزهراوين : البقرة وسورة آل عمران . فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان . أو كأنهما غيايتان . أو كأنهما فرقان من طير صواف . تحاجان عن أصحابهما . اقرؤوا سورة البقرة . فإن أخذها بركة . وتركها حسرة . ولا يستطيعها البطلة . قال معاوية : بلغني أن البطلة السحرة . وفي رواية : مثله . غير أنه قال : وكأنهما في كليهما . ولم يذكر قول معاوية : بلغني. الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - لصفحة أو الرقم: 804 -خلاصة حكم المحدث: صحيح)
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الليل آخر عشر آيات من سورة آل عمران (بت عند خالتي ميمونة ، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد ، فلما كان ثلث الليل الآخر قعد ، فنظر إلى السماء فقال : { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب }. ثم قام فتوضأ واستن، فصلى إحدى عشرة ركعة ، ثم أذن بلال فصلى ركعتين ، ثم خرج فصلى الصبح . الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - لصفحة أو الرقم: 4569 -خلاصة حكم المحدث: [صحيح]). فنص على هذا الاسم. إذن تسميتها بهذا الإسم رد على شبهات النصارى.
والحقيقة أنها لفتة مهمة جدًا تسميتها بهذا الاسم رد على النصارى وشبهتهم من أولها (آل عمران) أصلا! كيف تزعمون أنه إله وهو متسلسل؟!
أذكر يقولون أن أبو بكر الباقلاني لما التقى بأحد زعماء النصارى فقال له كيف حالك وكيف الأهل والأولاد؟ فاستغرب كيف يسأل عن أولاده ومعروف أن القسيس لا يتزوج! فقال: كيف تنزِّهون أنتم أنفسكم عن الولد وتثبتونه لله!.
مقصود سورة آل عمران هو إثبات التوحيد والرد على شبهة التثليث عند النصارى وفعلاّ لفتة جميلة تسميتها بآل عمران تدل على أن عيسى هو واحد من هذه الأسرة لا هو إله ولا هو إبن إله.
هل هناك دلالات أخرى غير هذه الدلالة على موضوعها؟
ذكرنا أن مطلع السورة قد يكون له أحياناً أثر في فهمها. مطلع السورة (ألم (1) اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)) إثبات الحياة والقيومية لله وحده وأنه لا حيّ سواه لا عيسى ولا غيره ولا قيّوم سواه. والعجيب أن هذه هي السورة التي ذكرت فيها الشهادة خمس مرات بهذا النصّ:
(اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2))
(لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6))
(شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18))
(وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62))
خمس مرات ذكر التنصيص على التوحيد وتأكيد هذه القضية مما يدل على وضوح وبروز مقصدها. التوحيد تذكره في مقابل واحد شيوعي ملحد وأحياناً تذكره في مقابل يهودي وأحياناً تذكره في مقابل إنسان مشرك، لكن أحياناً تذكره في مقابل نصراني فالتوحيد الذي يذكر في سياق سورة آل عمران هو التوحيد الذي يردّ فيه على النصارى على وجه الخصوص.
هذا الكلام أوحى بفكرة للإخوة القُرّاء: عندما تقرأ السورة ويظهر لك مقصداً لها يُذكر في خانة جانبية أسباب اختيار هذا المقصد مثل هذه السورة الآن قلنا آل عمران هي التوحيد والرد على شبهة التثليث ثم نذكر الأدلة على ذلك، أولاً المقطع الأول منها (اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ثم تتبع الآيات التى تؤيد هذا، أنت ذكرت خمس آيات، رائعة جداً. أيضاً نفس التسمية آل عمران كيف ترد على شبهة الشرك.
إشهاد الله لملائكته وأهل العلم أنهم أهل علم حق بأنه هو الله لا إله إلا هو، معناه من لم يكن كذلك فليس هو من أهل علم ولا هو يشبه الملائكة ولا يستحق أنه يُتبع أيضاً ففيها تأكيد جميل وفيها تزكية لأهل العلم وفوائد كثيرة جداً.
نزول السورة:
السورة مدنية والرسول صلى الله عليه وسلم كانت معركته في مكة ليست كمعركته في المدينة إلتقى باليهود والنصارى في المدينة في الغالب لم يكن هناك في مكة كذلك. وفد نجران كان معهم الصاحب والعاقب والسيد كانوا هم رؤساء القوم فأتوا من نجران وجلسوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وبدأت بينهم مناظرة وفي نهاية الجلسة دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم للمباهلة والبماهلة هي الملاعنة المفاعلة لها فاعلان فهذا يباهل هذا وهذا يباهل هذا. يقول ابن حجر لما ذكر هذه القصة وجرت سُنّة المتباهلين أنه لا يمضي الحول حتى يهلك المبطِل منهم وقد جرت بيني وبين أحد المشار إليهم بالبنان مباهلة في أحد العلماء "إبن عربي" فقال هو إنه صدّيق وقلت أنا إنه زنديق وتباهلنا على ذلك فقال ما مرت ثلاثة أشهر حتى مات صاحبي، فهذه سنة المتباهلين. ودخل النبي صلى الله عليه وسلم في المباهلة بل الله تعالى أمره بذلك (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)) المباهلة لا تُدخَل في مسائل عادية ولا يدخلها الإنسان إلا وهو ضامن يأوي إلى ركن شديد، وحتى من أدلة صدق النبي صلى الله عليه وسلم رضاه بالدخول في المباهلة لأنها شيء مخيف وليس فقط لعنة وطرد من رحمة الله بل إنه قد يهلك كما ذكر بن حجر سنة متباينة يهلك يموت. لما طلب النبي صلى الله عليه وسلم منهم المباهلة، النصارى يعرفون المباهلة فاستأذناه في الرد في اليوم الثاني فقال السيّد والله لئن باهلتموه لا تبقوا أنتم ولا عقبكم أبداً فجاؤوا في اليوم الثانية فقالوا قد رأينا أن لا نباهلك هذا اليوم لكن أرسل معنا رجلاً أميناً فقال صلى الله عليه وسلم أرسلنا معكم أميناً فأرسل معهم أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين هذه الأمة وفعلاً ذهب وكان نعم الوافد فأسلم أغلب أهل نجران وبعد ذلك أصبحت مسلمة.
تحدثنا عن سبب نزول السورة وقلنا أنها وفد نجران ونزلت السورة كلها تُحدّث بهذه القصة.
غزوة أحد في هذه السورة، التميز الواضح في السورة في قصة وفد نجران وأيضاً في غزوة أحد. من الأمس وأنا أفكر في وجه دخول غزوة أحد، تذكرت عندنا طالب نصراني في الكويت يريد أن يسلم فكلما أراد أن يسلم يقول له أبوه وأمه لو كان الإسلام حق لما كان الإسلام ضعيفاً في هذا الزمن، انظر إلى ضعفه وهزيمته، فكأن النصارى يستدلون على بطلان المسلمين بهزيمتهم في غزوة أحد كمثال، وأولئك قوم نجران يستدلون بنفس الحادثة فجاءت القصة لإثبات أن غزوة أُحد ليست هزيمة بالمبدأ وإنما هو خلل في بعض الشروط في كتب السير يقولون في أُحد هزم المسلمون لكن انتصر الإسلام، لأن طاعة الله ورسوله شرط الانتصار فلما خلّ هذا الشرط اختل المشروط عليه. فالاسلام لم يهزم إطلاقاً. ثم هذا الرابط وهو ربط المبادئ وأحقيتها وصحتها بهزيمة قوم هذه مشكلة، النبي صلى الله عليه وسلم بدأ لوحده فهل هذا دليل على عدم صدق مبدئه؟!
ويؤيد هذا الفهم قوله تعالى (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)) بعض الباحثين عناية الله سبحاني له كتاب عن البرهان البرهان في تفسير سورة الفاتحة والبقرة وآل عمران رسالة قيمة استنبط فيها استنباطات قيمة بعضها يوافق عليه وبعضها قد يناقش فيه! من ضمنها ينكر تماماً أن نقول أن المسلمين هُزموا في أحدويقول هم انتصروا وإنما كان عتاب الله لهم في أُحد لأسباب ليست لأنهم هزموا وذكر بعض التعليلات، علمًا أن مثل الانكسار الذي وقع مثل جرح النبي صلى الله عليه وسلم وكسر رباعيته واستشهاد عدد كبير من الصحابة مثل حمزة رضي الله عنه كان بسبب الخلل الذي وقع فيه الرماة رضي الله عنهم وكان أيضاً هذا تقوية للصف فيما بينهم بعد ذلك لكن المعارك التى جاءت بعدها انضبطت الأمور لأنهم كما انتصروا في بدر مع أن عددهم كان قليلاً وما كانوا مستعدين هُزموا في أحد مع أنهم كانوا مستعدين وأكثر عدداً. وفكرة أخرى تؤيد هذا الكلام أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد وهو كاره لكن الصحابة كانوا يرون أن الخروج أفضل لقريش فلما استشارهم النبي صلى الله عليه وسلم وخرج وبعد الغزوة كان المتوقع أن الله تعالى ينهى النبي عن الشورى لكنه قال (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ (159)) وهذا استنباط رائع جداً.
والشيء بالشيء يُذكر، لما صارت أحداث غزة في العام الماضي وهذا حدث جلل شغل المسلمين ولا زال وكنت أخطب الجمعة وكنت أريد أن أبحث عن البيانات التي جاءت عند العلماء صدد أن أرى البنود التى فيها وأضمِّنها خطبتي فقلت لم لا أبدأ بالقرآن لأن البيان فيه أجمل فوجدت آية (هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (138)) وبيان الله تعالى
أول بيان (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)
والبند الثاني (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ (140))
والبيان الثالث (وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ)
البيان الرابع (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) فالله تعالى له حكم
والبيان الخامس (وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141))
والبيان السادس (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142))
(وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (143)) في وقتها مات سعيد صيام والريّان فكنت أقول موت هؤلاء الرموز مصيبة فجاءت الآية أن موت الرموز لا يميت المبادئ (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (144)) وهو رسول الله فكأن الله يعظ هؤلاء القوم الذين مات فيهم فلان.
ثم قال (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً (145)) لا تقولوا لو لم تحصل حرب لما ماتوا! هؤلاء لو لم تحصل رب لماتوا حيث ماتوا
(وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145))
ثم قال (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)) وهو نبي
والنتيجة (فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ) أنتم قدوتكم في هذا نبي وليس قدوتكم قتال وجهاد. وسبحان الله كل الآيات تجري في هذا البيان الرائع جداً فألقيت الخطبة بعد أن أخذت البيان من رب العالمين عن مثل هذه الأحداث فكانت من أجمل الخطب في اثرها ونفعها، بيان القرآن يختلف عن أي بيان آخر. بيان الله هدى وموعظة.
نحن نغفل القرآن الكريم في الخطب والكلمات الوعظية، ربما أحدنا يعجب بموعظة أحد العلماء أو سبكه أو سجعه فيختاره وينسى مثل هذه، لكن هناك نقطة مهمة أنه لا يهتدي لمثل هذا كل أحد وهذه الآيات كأنها تتحدث عن الواقع.