التقاعد هو مرحلة واقعية من مراحل كل موظف، حيث لا بد أن يتقاعد الموظف يوماً ما ويترك العمل لأشخاص آخرين لتكتمل دورة الحياة، فلو دامت لغيرك لما وصلت إليك، فالتقاعد مرحلة طبيعية من الحياة، ويجب على كل موظف أن يستعد لأن يكون موظفا سابقا، ومتقاعدا عن العمل في الوقت الحاضر.
مشكلة يواجهها الكثير من الموظفين، وربما أكثر من مشكلة واحدة. ربما تكون المشكلة الاقتصادية واحدة من أهم المشاكل التي قد تواجه كثيرا من الموظفين، فالمرتب ينخفض بشكل كبير قد لا يستطيع الموظف المتقاعد أن يعيش بمستوى حياتي لائق بما يحصل عليه من التقاعد، وربما يواجه بعضهم مشاكل مالية وحياتية صعبة. أمر آخر، ربما يكون أكثر صعوبة وهو الشعور لدى المتقاعد بأنه أصبح خارج نطاق الحياة الفاعلة في المجتمع، وأن تقاعده هو نهاية معنوية لحياته!
بعض المتقاعدين ينعزلون عن المجتمع ولا يشاركون في الأنشطة الاجتماعية، وربما بعضهم يصاب ببعض أعراض الاكتئاب من انخفاض في المزاج والشعور بالدونية وعدم وجود دور للشخص في الحياة الفعلية للمجتمع وهذا يجعله ينعزل عن المجتمع والنشاطات الإجتماعية وكذلك يشعر بأن لا أحد يقدره نظراً لأنه أصبح خارج نطاق العمل الحكومي، وتكثر هذه عند بعض المتقاعدين الذين كانوا في مواقع مسؤولية مرموقة وذات سلطة تساعدهم في مساعدة الآخرين من الأقارب والأصدقاء، وبتركهم لوظائفهم المميزة يشعرون بأن الآخرين لم يعودوا يقدرونهم بنفس القدر الذي كانوا يقومون به عندما كان مثل هؤلاء المتقاعدين في مراكزهم، ربما يكون هذا حساسية زائدة عند بعض الأشخاص، وربما يكون هناك بعض من الحقيقة لما يشعر به مثل هؤلاء المتقاعدين.
يجب الأخذ بعين الاعتبار بعض الموظفين الذين يتم تقاعدهم بشكل مفاجئ، أو بمهلة بسيطة ولم يكونوا مستعدين للتقاعد، وهؤلاء قد يصدمون بالتقاعد ويكون تأثيره عليهم سلبياً. وهؤلاء ببساطة قد يصابون بالكآبة، خاصة عندما يفقدون الكثير من المميزات التي كانوا يحصلون عليها بحكم طبيعة عملهم مثل مميزات مالية، أو مميزات عينية مثل سيارات أو الحصول على مميزات اخرى للموظفين وأفراد عائلاتهم. في مثل هذه الحالات قد يصيب الإحباط والكآبة أفراد الأسرة بالإضافة إلى الموظف المحال على التقاعد. من الأمور التي يقع فيها المتقاعدون هي تعاطي الأدوية المنومة والمهدئة، نظراً لما قد يصيبهم من نوبات أرق ويشعرون بالوحدة كثيراً في الأمسيات التي تعودوا أن يناموا فيها مبكرين ولكن بحكم عدم ارتباطهم بمواعيد عمل فإنه قد يضطرب عندهم النوم ويصبح صعباً وهذا قد يقود إلى استخدام أدوية منوّمة، سواءً كانت أدوية مقيدة، وهذه الأصعب لأن التخلّص منها يُصبح صعباً خاصة في مثل هذا السن. بعض الأدوية المنومة التي يستخدمها بعض المتقاعدين ليست مقيدة وتباع في الصيدليات العادية بدون الحاجة إلى وصفة طبية، وهنا قد تكمن الخطورة لأن الشخص قد يتناول جرعات عالية دون الانتباه إلى خطورة ما يقوم به.
ما كتبته لا يعني أن جميع المتقاعدين لديهم مشاكل مالية ونفسية، ولكن ثمة مشكلة يجب أن نتحدث عنها عند هذه الشريحة من المجتمع، خاصة أن هذه الشريحة تزداد عدداً مع كثرة الموظفين الذين يحالون إلى التقاعد وكذلك ارتفاع مستوى متوسط عمر الفرد بسبب التحسن في الخدمات الصحية،وهذا يجعل فئة عمرية فوق سن الستين يعيشون فترة أطول وهم متقاعدون وبالتالي يرتفع معدل مستوى المواطنين المتقاعدين. المشكلة أن ليس هناك خدمات تقدم للمتقاعدين مثلما يحدث في بعض البلدان المتقدمة؛ حيث يتم تخفيض اسعار مواصلات النقل العام بجميع أنواعه وكذلك مميزات اخرى يحظى بها المتقاعدون سواء مادية أو معنوية، وهنا حبذا لو أن تكون هناك مميزات للمتقاعدين، لاسيما أنهم مواطنون خدموا الوطن لسنوات طويلة، وأفنوا عمرهم في خدمة الوطن وهم الآن في حاجة لأن يحظوا ببعض المميزات المالية والمعنوية، وكذلك لابد من الاستفادة من خبراتهم وعدم إشعارهم بأنه لا حاجة للمجتمع بهذه الشريحة المهمة من المواطنين.
لدي بعض المتقاعدين والذين يعانون من بعض المشاكل النفسية، وللاسف فإنهم يلجأون للعزلة الاجتماعية والابتعاد عن الآخرين. فهذا شخص تقاعد ووضعه المادي جيد ولكن بدلاً من أن يقوم مثلاً بنشاطات أو رحلات سفر مع زوجته والتي هي متقاعدة مثله، لكنه كان لا يخرج من المنزل؛ فهو يشاهد التلفزيون وأفلام الفيديو ثم يعود إلى النوم سواء أكان ذلك بشكل طبيعي أم باستخدام الأدوية المنومة. هذا الوضع السيئ جعل هذا الرجل يكتسب وزناً بشكل كبير مما جعله يعاني بصورة أسوأ من أمراض السكر وارتفاع الضغط وأمراض القلب التي يعاني منها الكثير من كبار السن.
متقاعد آخر، لا يختلف كثيراً عن الشخص الأول، غير أن هذا الشخص يتناول الكثير من القهوة ويدخن كثيراً، ومع تقاعده أصبح تقريباً لا يخرج من المنزل ويقضي الوقت في غرفة النوم، حيث يتناول وجباته ويدخن كثيراً ويشرب قهوة بشكل كبير، وبالطبع هذا جعله يعيش في عزلة حتى ممن يعيشون معه في المنزل، وذلك بسبب رائحة التدخين التي أصبحت غير محتملة بالنسبة لابناء وزوجة هذا الشخص المتقاعد. بالإضافة إلى ذلك أصبح يتناول أدوية مضادة للاكتئاب نظراً لأنه شعر ببعض التغير في مزاجه، حيث أصبح مكتئب المزاج، وفقد اهتمامه بالأمور التي حوله ولم يعد يستمتع بالأشياء التي كان يستمتع بها سابقاً. بعد هذا أصبح يتناول بعض الأدوية المهدئة التي تساعده على التغلب على قلقه وتوتره ولكن مع الوقت وعدم وجود أمر يشغله فقد أصبح التعود على الأدوية المهدئة مشكلة تقلقه، فقد أصبح الحصول على هذه الأدوية مشكلة تؤرقه، لأنه ليس دائماً يمكن الحصول على هذه الأدوية، وهذا الأمر جعله غير قادر على التمتع بوقته أو مع عائلته.
إن الفراغ المفاجئ الذي ينتج عن التوقف عن العمل، وعدم وجود بديل مخطط له يجعل المرء قد يتخبط في ملء فراغه أو يشعر بالملل والكآبة. إن معرفة موعد التقاعد أمر ضروري، وهو في أغلب الأوقات معروفاً للموظفين ولكن تستغرب حين يتناسى المرء موعد تقاعده ويشعر أنه بعيد ويشعر كأنما هو أمر مفاجئ بالنسبة له، وهذا ما يجعله يقع في التشوش والتخبط في بعض الأوقات. عند المعرفة بموعد التقاعد يجب على الشخص التخطيط لمرحلة التقاعد قبلها بفترة جيدة مشركاً في ذلك أفراد أسرته والأشخاص المهمين في حياته، متخذاً في ذلك تخطيطه المالي وامكاناته المادية.
نعم هناك بعض الشعور بالفراغ بعد التقاعد، وربما يكون هناك بعض الشعور بفقدان جزء من المكانة الاجتماعية وبعض الشعور بنوع من انخفاض المزاج ولكن غير المرضية، وكذلك ربما يكون هناك بعض عدم التكيف مع الوضع الجديد، لذا من الضروري أن يكون هناك تخطيط ومعرفة لما سوف يفعله الشخص بعد تقاعده.