{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (24) الاسراء
التفسير: يقول تعالى آمراً بعبادته وحده لا شريك له، فإن القضاء ههنا بمعنى الأمر. {وقضى} يعني وصّى، ولهذا قرن بعبادته بر الوالدين فقال: {وبالوالدين إحسانا} أي وأمر بالوالدين إحساناً، وقوله: {إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف} أي لا تسمعهما قولاً سيئاً حتى ولا التأفف الذي هو أدنى مراتب القول السيء، {ولا تنهرهما} أي ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح، ، ولما نهاه عن القول القبيح والفعل القبيح، أمره بالقول الحسن والفعل الحسن، فقال: {وقل لهما قولا كريما} أي ليناً طيباً حسناً بتأدب وتوقير وتعظيم، {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} أي تواضع لهما بفعلك، {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} أي في كبرهما وعند وفاتهما.
وقد جاء في بر الوالدين أحاديث كثيرة، (منها) الحديث المروي من طرق عن أنَس وغيره أن النبي صلى اللّه عليه وسلم صعد المنبر ثم قال: "آمين آمين آمين"، قيل: يا رسول اللّه علام أمنت؟ قال: "أتاني جبريل، فقال: يا محمد رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليك، قل آمين، فقلت آمين، ثم قال رغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم خرج فلم يغفر له، قل آمين، فقلت آمين، ثم قال رغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة، قل آمين، فقلت آمين" (أخرجه الترمذي الحاكم عن أبي هريرة).
روى الإمام أحمد عن أبي مالك القشيري قال، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "من أدرك والديه أو أحدهما ثم دخل النار من بعد ذلك فأبعده اللّه وأسحقه" (ورواه أبو داود الطيالسي عن شعبة وفيه زيادات أخر).
روى الإمام أحمد، عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف: رجل أدرك أحد أبويه أو كلاهما عنده الكبر ولكم يدخل الجنة".
عن معاوية بن جاهمة السلمي، أن جاهمة جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه أردت الغزو، وجئتك أستشيرك، فقال: "فهل لك من أم؟" قال: نعم، قال: "فالزمها فإن الجنة عند رجليها" (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه).
قال الحافظ البزار في مسنده عن سليمان بن بريدة، عن أبيه أن رجلاً كان في الطواف حاملاً أمه يطوف بها، فسأل النبي صلى اللّه عليه وسلم: هل أديت حقها؟ قال: "لا، ولا بزفرة واحدة" (قال ابن كثير: في سنده الحسن بن أبي جعفر وهو ضعيف).
عن ابن عباس رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من ولد بار ينظر إلى والديه نظرة رحمة، إلا كتب الله له بكل نظرة حجة مبرورة" قالوا: وإن نظر كل يوم مائة مرة؟ قال: نعم. الله أكبر وأطيب".
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا نظر الولد إلى والده - يعني - فسر به، كان للولد عتق نسمة" قيل: يا رسول الله، وإن نظر ثلاثمائة وستين نظرة؟ قال: "الله أكبر من ذلك
و عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: النظر إلى الوالد عبادة
والنظر إلى الكعبة عبادة، والنظر إلى المصحف عبادة، والنظر إلى أخيك حبا له في الله عبادة.
و عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قبل بين عيني أمه كان له سترا من النار
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أذنبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألك والدان قال: لا. قال: ألك خالة؟ قال: نعم. قال: فبرها إذن
وأخرج أحمد والبخاري في الأدب وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي، عن أبي أسيد رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله، هل بقي علي من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما به؟ قال: "نعم. خصال أربع: الدعاء لهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما
وأخرج البخاري في الأدب ومسلم وأبو داود والترمذي وابن حبان والبيهقي، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي الأب
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والحاكم والبيهقي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة عاق، ولا ولد زنا، ولا مدمن خمر، ولا منان".
وأخرج أحمد والبيهقي، عن أبي مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك والديه أو أحدهما ثم دخل النار من بعد ذلك، فأبعده الله وأسحقه".
وأخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي والبيهقي والطبراني والخرائطي في مساوئ الأخلاق من طريق بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة، عن أبيه عن جده أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة، إلا عقوق الوالدين، فإنه يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات، ومن رايا رايا الله به، ومن سمع سمع الله به".
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي، عن كعب رضي الله عنه أنه سئل عن العقوق ما تجدونه في كتاب الله عقوق الوالدين؟ قال:إذا أقسم عليه لم يبره، وإذا سأله لم يعطه، وإذا ائتمنه خان، فذلك العقوق.
وأخرج البيهقي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث دعوات مستجابات: دعاء الوالد على ولده، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر".
وأخرج البيهقي، عن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليموت والداه وهو عاق لهما فيدعو لهما من بعدهما، فيكتبه الله من البارين".
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصبح مطيعا لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة، وإن كان واحدا فواحدا، ومن أمسى عاصيا لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من النار، وإن كان واحدا فواحدا" فقال رجل: وإن ظلماه؟ قال: "وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه".
وأخرج البيهقي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع شاب فقلنا: لو كان هذا الشاب جعل شبابه ونشاطه وقوته في سبيل الله، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالتنا. فقال: "وما في سبيل الله، إلا من قتل، ومن سعى على والديه، فهو في سبيل الله، ومن سعى على عياله، فهو في سبيل الله، ومن سعى على نفسه يغنيها فهو في سبيل الله تعالى".
وأخرج الحاكم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله، أي الناس أعظم حقا على المرأة. قال: "زوجها. قلت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل. قال: أمه".
وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا "عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، وبروا آبائكم تبركم أبناؤكم، ومن أتاه أخوه متنصلا فليقبل ذلك منه محقا كان أو مبطلا، فإن لم يفعل لم يرد على الحوض".
وأخرج الحاكم، عن جابر رضي الله عنه مرفوعا "بروا آباءكم".
وأخرج أحمد والحاكم وصححه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: إن رجلا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد هاجرت من الشرك - ولكنه الجهاد - هل لك أحد باليمن؟ قال: أبواي قال: أذنا لك؟ قال: لا. قال: فارجع فاستأذنهما، فإن أذنا لك مجاهد، وإلا، فبرهما".
وأخرج أحمد في الزهد، عن وهب بن منبه رضي الله عنه أن موسى عليه الصلاة والسلام سأل ربه عز وجل فقال: يا رب، بم تأمرني؟ قال: "بأن لا تشرك بي شيئا" قال: وبم؟ قال: "وتبر والدتك" قال: وبم؟ قال: "وبوالدتك قال: وبم؟ قال: "وبوالدتك"
وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن ماجة، عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن رجلا أتاه فقال: إن امرأتي بنت عمي وإني أحبها، وإن والدتي تأمرني أن أطلقها، فقال: لا آمرك أن تطلقها، ولا آمرك أن تعصي والدتك، ولكن أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول: "إن الوالدة أوسط باب من أبواب الجنة" فإن شئت فأمسك وإن شئت فدع.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن الحسن رضي الله عنه قال: للأم ثلثا البر وللأب الثلث.
وأخرج أحمد وابن ماجة، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر ولا مكذب بقدر".
وأخرج ابن أبي شيبة، عن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بر الوالدين يجزئ من الجهاد".