معركة أسر «شاليط» أشبه بفيلم من عوالم مجهولة، حين حفر الفلسطينيون نفقاً امتد لداخل أحد المعسكرات الإسرائيلية، جرت فيه معركة ساخنة، أدت إلى خطف الأسير شاليط عبر النفق، وقد حاولت إسرائيل بتجنيد عملائها الوصول إلى مخبئه، ورفضت أي جهود في مبادلته مع الأسرى الفلسطينيين، أو حتى الحوار حول هذه القضية، باعتبار ذلك ثوابت في سياسة اليمين المتطرف..
لكن لماذا أذعنت إسرائيل وقبلت ما كانت ترفضه عدة سنوات؟ وهل هناك تبدل في سياستها وقبول الأمر الواقع، أم أن التطورات حولها وخارجها أجبرتها على استخدام الليونة، وهي التي عملت على أن لا يُكسر عودها من أي قوة موالية لها أو ضدها؟
لا نريد أن نبتعد عن المؤثرات التي وضعت إسرائيل أمام مواجهات لم تكن في أحسن الأحوال، وأسوئها أن ترى عجلة الزمن تدور بأمور فاجأتها وقطعت حبل سرّتها، وكيف بقيت تنظر للأمور من زوايا غير ما كانت تراه بأنها قوة مرهوبة لا تستطيع كل الدول العربية والإسلامية زعزعة كيانها أو على الأقل تهديد أمنها..
فالربيع العربي، لو لم يخترق مصر، ويبدل السياسات والأدوات، وانفجار مخزون الغضب الكبير في الشارع تجاهها، ما كانت لترى الأمور بهذا التسارع، وكيف أن جهازاً حكومياً ظل، لثلاثين عاماً، موالياً إلى حد أن أصبحت تصرفاته تضاد المصالح الوطنية وفجأة يذهب خلال أيام، ولم تكن تتصور أن أهم حليف إسلامي يسحب سفيره ويعلن بكلّ ثقة رفض إسرائيل أن تكون «سوبرمان» المنطقة والتي غابت عنها تركيا عدة عقود أثناء حكم العسكر..
الأمر الثالث أن الرياح الحادة التي عصفت بالمنطقة العربية صارت مجال سجالٍ طويلٍ في أروقة العالم كله، وخاصة أوروبا وأمريكا اللتين وجدتا مصالحهما مرتبطتين بتغيير سياساتهما ولو بنمط مخالف لتلك المبايعة لإسرائيل أياً كان السبب، وكان الشعور الإسرائيلي أن الأمواج التي أحاطت بها لابد من كسرها، ولو عن كره، بقبول الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين حتى لا تكون في عزلة تحرمها تلك المناورات والفوائد التي جنتها منها..
ولعل ذهاب الفلسطينيين إلى النقطة الأبعد بطلب اعتراف من الأمم المتحدة بدولتهم لم يأت مصادفة، بل كان استغلالاً للزمن العربي الجديد الذي حظي بتعاطف دولي غير مسبوق، وهذا عزز مخاوف إسرائيل من أن الموضوع لو عرض على الأمم المتحدة ، فسيتم التصويت عليه بغالبية كبيرة، وهو المحور الذي لا تريد دخوله في مبارزة مع المجتمع الدولي..
قد تكون نصائح الحلفاء لإسرائيل بتحرك إيجابي، أياً كان نوعه، رأته مفيداً لها، وهي الآن تحاول فتح حوار مع الفلسطينيين لمعالجة القضايا المرفوض بحثها، وهذا لا يعني التسليم بأن لإسرائيل يداً نظيفة يمكن مصافحتها، بل لا تزال ملوثة بكل شيء..
ويبقى هناك من يشكك بالانتصار الفلسطيني، فكيف يقايضون فرداً مقابل ألف وسبعة وعشرين أسيراً معتبرين ذلك كرماً من إسرائيل، في وقت نعرف أن الدولة المحتلة تسجن كل الشعب الفلسطيني، وإن لم يكن بشكل غير مباشر حين يكون الانتقال من شارع لشارع، أو من مدينة لقرية كأنك تعبر حدود دول متصارعة، ثم إن السجون ظلت تملأ بأي متهم حتى لو لم يشارك في أي عملية فدائية، بل كان ذلك انتصاراً عربياً في وقت لا نزال نعيش لحظة الهزيمة