الجمعة، يناير 01، 2010

دوالى المرىء

تكمن الوقاية من الدوالي في تلافي أسباب حدوثها، ونظرا لصعوبة هذا الحل فإن المتاح حاليا هو الاكتشاف المبكر وتحديد حجمها وأماكن تواجدها ومحاولة منع تفاقمها والتخلص منها كي لا تنزف وكي لا يتكرر النزيف - في حال حدوثه - والبعد كل البعد عن كل ما يساعد على زيادة الضغط داخل هذه الأوردة أو يؤدي إلى جرحها وتآكل الأغشية المحيطة بها، بالإضافة إلى الأقراص التي تقلل من ضغط الدورة الدموية البابية والتخلص من الدوالي بربطها من خلال المناظير. الوقاية تشتمل على ثلاثة محاور رئيسية هي: الغذاء والدواء والمناظير العلاجية. وهذه المحاور نفسها هي المستخدمة في العلاج بالإضافة إلى الأشعة التداخلية والجراحة (في حالات قليلة).
دوالي المريء والمعدة هي تجمع مرضي وغير عادي لأوردة متفاوتة الحجم ومتعرجة وذات جدار غير سميك في منطقة المريء (خاصة الثلث السفلي منه أعلى فتحة الفؤاد) , أو المعدة (خاصة الجزء العلوي منها أسفل فتحة الفؤاد) وقد تتكون هذه الدوالي في أماكن أخرى من القناة الهضمية وملحقاتها وفي تجويف البطن. وتسمى هذه الأوردة المرضية بالدوالي لشدة وغزارة النزيف الناتج عن انفجارها والذي قد يودي بالحياة إن لم يتم اكتشافه وعلاجه بصورة علمية صحيحة وفي أماكن مجهزة وعلى أيدي فريق طبي ذي خبرة ودراية.
وتنشأ هذه الدوالي - وفي هذه الأماكن بالذات - نتيجة وجود تحويلات وريدية - تكون مغلقة في الحالة الطبيعية - تنفتح وتكبر نتيجة أي مرض يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدورة الدموية مثل تليف الكبد (بكل أسبابه) والبلهارسيا المزمنة وانسداد الوريد البابي أو الأوردة الكبدية. والدورة الدموية البابية هي المختصة بنقل الدم المحمل بالغذاء بعد هضمه وامتصاصه من القناة الهضمية ومن الطحال والبنكرياس إلى الكبد.
وتكمن أهمية الدوالي في مضاعفاتها الخطيرة وهي نزيف الجهاز الهضمي الحاد، وفي مكانها حيث الضغط السلبي والاحتكاك المباشر بالطعام أثناء البلع. وقد يظهر نزيف الدوالي في صورة القيء الدموي أو خروج براز أسود لامع مثل المازوت بالإضافة إلى ما يترتب على النزيف من الأنيميا (فقر الدم) وهبوط بوظائف الكبد وضعف عام. وقد نشأت لدى الأطباء نظريتا التآكل والانفجار لتفسير سبب حدوث النزيف فنظرية التآكل ترجح حدوث النزيف نتيجة تآكل الأغشية المخاطية الملاصقة للدوالي مما يعرضها مباشرة لمحتويات المعدة وما يمر بالمريء. أما (نظرية الانفجار) فتشير إلى أن ضغط الدورة الدموية البابية يزداد ارتفاعا تحت ظروف معينة فيؤدي إلي انفجار الدوالي حتى وان كانت الأغشية المخاطية الملاصقة لها سليمة. وعند حدوث نزيف من الدوالي يجب اسعاف المريض والتحرك السريع لنقله إلى مركز متخصص والعلاج عادة يشمل الإسعافات الأولية وتحاليل طبية وملاحظته وعلاجه بالأدوية والعقاقير والمضاد حيوي، وقد يحتاج المريض إلى نقل دم أو عناية مركزة بينما المناظير من أجل التشخيص والعلاج، وفي بعض الحالات قد يحتاج المريض إلى تدخل فريق الأشعة التداخلية أو الجراحين لوقف النزيف. لذا ينصح في كثير من المحافل الطبية المتخصصة بعمل فريق طبي متعدد الأنظمة ومتكامل من أطباء الجهاز الهضمي والمناظير وطب الطوارئ والعناية لمركزة والأشعة التداخلية والجراحين في كل منطقة جغرافية لاستقبال واسعاف وعلاج ومتابعة حالات نزيف دوالي المريء والمعدة وتحديد العلاج الأمثل لكل حالة على حدة.
إرشادات غذائية لمرضى الدوالي
ينصح بتجنب الشطة والبهارات الحارة، وإزالة الأشواك والبذور واللب والقشور الجافة من أي طعام يحتوي على أي منها، وتليين أي طعام جاف، ومضغ المأكولات جيدا قبل البلع كي لا يحدث احتكاك بين هذه المأكولات مع الدوالي. كما يجب تناول طعام خال الملح عند وجود استسقاء (تراكم سوائل بتجويف البطن) والبعد عن البروتينات الحيوانية عند حدوث ما قبل الغيبوبة الكبدية لا قدر الله. ولأن معظم حالات النزيف تحدث بعد تناول وجبات دسمة وكبيرة مصحوبة باحتقان أوعية البطن بالدم وارتفاع ضغط الدورة البابية ينصح بتناول وجبات صغيرة متكررة.
يمر المريض عادة بعدة خطوات قبل الوصول للقرار الجراحي، فبعد تشخيص المرض وتحديد نوع ومكان الدوالي، يكون التدخل الجراحي، والذي يحاول الأطباء تأجيله ومحاولة السيطرة على الدوالي بدون التدخل الجراحي العميق إن أمكن، ولكن حين يرى الأطباء ضرورة التدخل الجراحي فإنه يأتي في نطاقين:
التدخل العاجل: ولم يعد مثل هذا الإجراء شائعا مؤخرا لتقدم الوسائل العلاجية الأخرى، حيث أصبح من الممكن السيطرة على نزيف الدوالي عن طريق المناظير أو إجراء توصيلة بواسطة الأشعة التداخلية من الوريد البابي الى الوريد الأجوف السفلي من مبدأ تحوير المسارات الوريدية وتخفيف الضغط عن الوريد البابي المغذي للأوردة المتوسعة في المريء.
أما اذا فشلت الوسائل العلاجية بالمناظير والأشعة، مع عدم توافر الإمكانات من تجهيزات وتوفر أعضاء للزراعة (الكبد) حينها يأتي التدخل الجراحي بفتح منطقة البطن بما يحتويه هذا الإجراء من مخاطر بسبب تقدم الحالة المرضية وعدم قيام الكبد بوظائفها الفسيولوجية ومثالا على ذلك عند وجود الدوالي مع ضعف عوامل التجلط مما يسبب نزيفا غير ممكن السيطرة عليه بسهولة، وارتفاع ضغط أوردة البطن مما يسبب خطورة النزيف والسيطرة عليه، والحالة العامة الصحية للمريض. ويهدف هذا التدخل فقط للحفاظ على حياة المريض من النزيف وتحوير وتحويل مسارات مرور الدم بالأوردة، ونادرا ما يتم استئصال الطحال كأحد الطرق لتخفيف الدم العائد للوريد البابي الى الكبد وبالتالي تخفيف الضغط عن الأوردة.
زراعة الكبد: وهي الحل الناجع والأمثل لدوالي المريء المتقدمة، حيث تهدف الزراعة الى حل المشكلة الرئيسية لتكون دوالي المريء وتدهور وظائف الكبد. فإذا ما تمت زراعة الكبد انتهت معظم العوامل المؤدية لتوسع وزيادة ضغط الأوردة في منطقة البطن ومنها المريء الذي يتأثر تأثرا مباشرا بارتفاع الضغط في أوردته الصغيرة غير المهيأة لمثل هذا الضغط المرتفع مما يؤدي نهاية الى انفجارها.
يبدأ جراحو الكبد بتقييم خطورة وتقدم المرض، ووضع المريض على لائحة انتظار الزراعة حسب الأولويات مقارنة بالمرضى الأخرين، ومن هنا يأتي الدافع للحث على ثقافة التبرع للأعضاء لما بها انقاذ لحياة آلاف المرضى بمختلف الدواعي للزراعة كما على سبيل المثال لدوالي المريء المتقدمة.