مع إطلالة كل رمضان يتساءل كثير من المرضى فيما إذا كانوا يستطيعون الصوم أم لا، وفيما إذا كان صيام رمضان يزيد في مرضهم أو يفاقم من أعراضهم.
أسئلة كثيرة تتردد على خواطر المرضى وأقربائهم، والبعض يقع فريسة الأوهام، أو يفتيه غير عالم متخصص فيصوم أو يفطر، دون الرجوع إلى طبيب أخصائي مسلم يقوّم حالته، ويعطيه النصيحة والإرشاد.
في الجانب الاخر، كثير من المرضى من يريد الصيام، وهو لا يقوى عليه، أو قد يكون في صيامه عبء على مرضه، أو تفاقم في أعراضه.
ومن اهم الاسئلة التي تطرح في مثل هذا الوقت من كل عام هو هل يمكن لمريض الكلى او المسالك البولية أن يصوم خاصة وأن فترة الصوم لهذا العام تتجاوز 16 ساعة في وقت تصل فيه درجة الحرارة وقت الصيام الى 50 درجة مئوية؟
والإجابة على هذا السؤال تختلف بحسب نوع المريض وطبيعة المرض. فكما هو معلوم فإن أمراض الكلى ليست مرضا واحدا وإنما هي أمراض متعددة وحتى الاعتلال الواحد ليس على درجة واحدة من الشدة إنما تتفاوت درجة حدته من حالة إلى أخرى.
وحتى تتضح الصورة اشير هنا الى الية عمل الكلية الأساسية والتي تتعلق بتنظيم كمية المياه والأملاح الموجودة داخل الجسم، كما تعمل على ضبط درجة الحمضية والقلوية في الدم، وتعمل كمرشح يبقي على المواد النافعة كالجلوكوز والبروتينات وتتخلص من المواد غير المرغوبة مثل البولينا، وحمض البوليك، والكرياتينين كما تقوم الكلية بافراز بعض الهرمونات التي لها علاقة بتنظيم ضغط الدم.
ومن أهم العوامل التي تتداخل مع تأثير رمضان على الكلى:
- درجة حرارة الجو في رمضان حيث ان مجيء شهر رمضان الكريم في فصل الصيف يرتبط بالتعرض للجفاف بشكل اكبر مما يؤدي إلى آثار أكثر وضوحًا على وظائف الكلى.
- الأمراض المزمنة: الأشخاص المصابون بمشكلات الكلى تكون نسبة كبيرة منهم من مرضى السكر، وهذا يؤدي إلى وجود تأثير مزدوج للصيام على المريض.
- الحالة الصحية العامة: وجود مشكلات صحية عامة مثل سوء التغذية أو البدانة أو تدهور الحالة النفسية يعتبر من العوامل المؤثرة بشدة على صحة الجسم أيضًا.
- استقرار الحالة: استقرار مريض الكلى يتوقف على انتظامه على تناول الدواء بجرعات صحيحة مع حدوث تحسن وثبات في نتائج وظائف الكلى.
وعند الحديث عن تأثير الصيام على الكلى والجهاز البولي يمكن تقسيم المرضى الى عدة مجموعات رئيسية:
فهناك مرضى القصور او الفشل الكلوي، وهناك مرضى التهابات الكلى والمثانة البولية، وهناك مرضى حصيات المسالك البولية.
وكقاعدة عامة لا بد لمريض الكلى من استشارة الطبيب المختص قبل الشروع في الصوم وذلك لتنظيم جرعات الدواء الموصوفة له ومعرفة إذا لم تكن هناك خطورة تحول دون أدائه فريضة الصوم.
مرضى القصور او الفشل الكلوي وهم على أنواع:
المجموعة الأولي: مرضى القصور الكلوي المزمن.
المجموعة الثانية: مرضى الغسيل الكلوي.
المجموعة الثالثة: مرضى زراعة الكلى.
- بالنسبة للمجموعة الأولى، مرضى القصور الكلوي المزمن:
فقد يتسبب الصوم - نتيجة لنقص السوائل والأملاح - في تدهور حالة القصور المزمن خصوصاً في حالات التهابات الكلى المزمنة، والتكيس الكلوي، وهو ماقد يؤدي الى جفاف واختلال في وظائف الكلى والجسم.
ولذلك من الضرورة بمكان لمريض القصور الكلوي ان يقوم بمراجعة الطبيب المتابع لحالته لأخذ النصيحة الطبية حسب حالته المرضية قبل الشروع في صوم رمضان.
وهنا اذكر بالتحذيرات الأساسية لمرضى القصور الكلوي في رمضان وهي علامات الخطورة التي تدل على الحاجة لمراجعة طبية عاجلة لاحتمالية وجود مشكلة طارئة، وتشمل هذه العلامات:
انتفاخاً وتورماً في الجسم أو الوجه.
صعوبة في التنفس.
الدوخة.
فقدان او انخفاض الشهية بشكل ملحوظ.
الإحساس باضطراب درجة الوعي.
- أما بالنسبة للمجموعة الثانية وهم مرضى الغسيل الكلوي:
فيمكنهم الصوم من الناحية الطبية، طالما كانت القيم الأساسية تحت السيطرة على أن يفطروا في الأيام التي يتلقون فيها جلسات الغسيل، إذا كانت هذه الجلسات تقع في أثناء النهار، حيث إن عملية الغسيل يصاحبها إعطاء محاليل عن طريق الوريد مما يفسد الصيام.
وأورد هنا فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة بشأن غسيل الكلى: (إن غسيل الكلى عبارة عن إخراج دم المريض إلى آلة (كلية صناعية) تتولى تنقيته ثم إعادته إلى الجسم بعد ذلك، وأنه يتم إضافة بعض المواد الكيماوية والغذائية كالسكريات والأملاح وغيرها إلى الدم. وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء والوقوف على حقيقة الغسيل الكلوي بواسطة أهل الخبرة أفتت اللجنة بأن الغسيل المذكور للكلى يفسد الصيام).
- المجموعة الثالثة وهم المرضى الذين أجريت لهم عملية زراعة الكلى:
فيمكن لمريض زراعة الكلى أن يصوم بعد مرور عام من زراعة الكلى له إذا كان الجسم قد توافق مع الكلية المزروعة بشكل جيد، وعليه فإن المريض يمكنه تناول مثبطات المناعة اللازمة مثل عقار السيكلوسبورين الذي يؤخذ عادة كل 12 ساعة، بعد الإفطار وعند السحور مع ضرورة المتابعة اللصيقة مع الطبيب المعالج. أما بالنسبة لمرضى زراعة الكلى الذين لم تستقر حالتهم، فقد يؤدي الصيام إلى تأثيرات ضارة على الكلى المزروعة والجسم، لذلك يجب مراجعة الطبيب المعالج لهم قبل الشروع في صوم رمضان لتقرير مبدأ الصيام من عدمه.
مرضى التهابات الكلى والمسالك البولية:
بالنسبة لالتهابات الكلى والمثانة فغالبا لا يحتاج المريض إلى الإفطار في حالة عدم وجود قصور في وظائف الكلية وهذا يكون من خلال تشخيص الأطباء المختصين وينصح المريض من هذه الفئة بالاكثار من السوائل بعد الافطار الى وقت السحور لتعويض الجفاف الحاصل وقت الصيام كما قد يوصف للبعض مضاد حيوي وقائي في حال كون الالتهابات متكررة.
مرضى حصيات الكلى والحالب والمثانة البولية:
يختلف الوضع العام لمرضى الحصيات وفقًا لمجيء شهر رمضان في الشتاء أو الصيف؛ فمشكلتهم الأساسية ليست مع الصيام في حد ذاته، ولكن المشكلة مع التعرض للجفاف الشديد خلال صيام الصيف.
ويمكن أن يتعامل مرضى حصيات الكلى مع الصيام بأمان من خلال اتباع الإرشادات التالية:
1 – تجنب التعرض لشمس النهار لفترات طويلة.
2 – الانتظام على أدوية تفتيت الحصاة.
3 – تقليل الملح في الطعام.
4 – تعويض السوائل المفقودة جيدًا في فترة ما بعد الإفطار.
5 – تجنب بعض الأكلات التي قد تساهم في زيادة تكون الحصيات لاحتوائها على الأوكسالات مثل:
- البنجر
- السبانخ
- الفراولة
- المكسرات
- الشوكولاته
- الشاي والقهوة
- نخالة القمح
6 – ضبط كميات فيتامين سي في طعامك حسب الحاجة فقط؛ لأن زيادته تؤدي لزيادة نسبة الأوكسالات.
7 – الحرص على تناول كميات كافية من الكالسيوم لأنه يرتبط بالأوكسالات في الجهاز الهضمي مما يمنع امتصاصها في الدم وبالتالي وصولها للكلى.
8 – ضبط كميات البروتين حسب الحاجة دون إسراف.
وفي النهاية يخضع اقرار القدرة على الصيام من الناحية الطبية لمشورة الطبيب المسلم الأمين الحاذق فهو الذي يقرر صلاحية مريضه للصوم أولا.