تحدث الكثير من الأطباء المتخصصين في مجال مرض السكري وعلاجه عن أهمية تحضير مريض السكري لصيام شهر رمضان المبارك ذلك التحضير النفسي والطبي الغذائي والعلاجي على حد سواء، وأيضا الاهتمام بكيفية ضبط جرعات الدواء سواء العلاج بالإنسولين أوالعلاج بالأدوية. وتبقى هذه التوصيات التي يدلي بها الأطباء المتخصصون اجتهادات شخصية وتوصيات عامة لابد من تطبيقها والعمل على تكييفها بشكل فردي على كل مريض سكري بمفرده. والجميل في الأمر الآن أن هذه الاجتهادات وهذه التوصيات أصبحت تحت مظلة الاتحاد العالمي لمرض السكري الذي قام بنشر كتيب خاص بصيام شهر رمضان لمرضى السكري يعتبر مرجعا مهما في هذا الأمر. وهذا الكتيب مخصص للأطباء عامة الذين يقومون برعاية مرضى السكري والذين كانوا يودون أن يكون لديهم مرتكز يرجعون إليه ويرتكزون عليه لعلاج ومتابعة مرضى السكري أثناء رمضان. ويبدو أن القائمين على هذا الكتيب لن يقفوا عند هذا الحد بل سيقوم البعض منهم بترجمة توصيات خاصة باللغة العربية أو باللغات الأخرى لمساعدة مرضى السكري على إتمام صيامهم. إن نشر مثل هذا الكتيب ومثل هذه التوصيات بلا شك ستعود بالنفع على الأطباء العامين وأطباء الأسرة وأطباء العائلة وهم الذين يتابعون السواد الأعظم من مرضى السكري. فمن الملاحظ أن مرضى السكري لا يتابعون لدى أطباء السكر المتخصصين لأن أعداد هؤلاء الأطباء مازالت محدودة، ولكن يتابعون لدى أطباء الرعاية الصحية الأولية. ولذا كان هذا الكتيب موجها لهم. وفي هذه العجالة سنتطرق لبعض هذه التوصيات المنشورة في هذا الكتيب وسنشير في نهاية المقالة عن الرابط لهذه التوصيات وإن كانت باللغة الإنجليزية.
لماذا نحن بحاجة إلى توصيات واضحة لمرضى السكري الراغبين بالصيام؟:
بلا شك أن مرضى السكري بنوعية الاول والثاني بحاجة إلى رعاية خاصة تبدأ قبل الشروع بالصيام وقبل حلول شهر رمضان. إن حجم مرضى السكري المسلمين ليس بالعدد الهين، فقد بلغ عدد مرضى السكري الذين صاموا شهر رمضان العام المنصرم وهو عام 2015 ميلادية بلغ أكثر من 415 مليون مريض سكري مسلم في مختلف أنحاء العالم ويتوقع المختصون أن هذا العدد سيزيد بأكثر من النصف في عام 2040 ميلادية والتساؤل المطروح كم من هؤلاء المرضى الصائمين وجدوا الرعاية المرجوة وكم منهم بسبب فقدان التوصيات الواضحة تعرضوا لمشاكل ارتفاع السكر أو انخفاضه أو التعرض لحموضة الدم ودخول المستشفيات أو زيارة دور الاسعاف. هذه المعلومات جميعها مجهول أو البعض منها معلوم بصفة جزئية أو صفة فردية مرتكزة على مركز صحي معين أو مستشفى معين. ولذا كانت الأهمية لوجود توصيات عامة يمكن الرجوع إليها. وحسب الدراسات الواردة في هذا الصدد أوضحت أن معظم مرضى السكري بنسبة تصل إلى أكثر من 90 في المائة صاموا شهر رمضان بصفة كاملة أو بصفة جزئية. حيث إن الدراسات أوضحت أن أكثر من 40 في المائة مرضى السكري النوع الأول صاموا أكثر من نصف شهر رمضان وأن أكثر من 70 في المائة من مرضى السكري النوع الثاني صاموا أكثر من نصف شهر رمضان.
لماذا تتغير فسيولجية
جسم الإنسان في رمضان؟
هناك عوامل عديدة تغير فسيولوجية جسم الإنسان أثناء الصيام وأهمها تغير مواعيد النوم والاستيقاظ ومواعيد ونوعيات الطعام إضافة إلى الامتناع عن تناول السوائل والتي قد تشكل التحدي الأكبر لمريض السكري المعرض أصلا للجفاف بسبب ارتفاع مستوى السكر في الدم. إن تغير مواعيد النوم تؤثر سلبا على مستوى بعض الهرمونات وقد يكون أهمها هرمون الكورتيزون وأيضا هرمون النمو وكلاهما يؤثر على مستوى السكر في الدم واللذان قد يختلان نتيجة اضطراب النوم واضطراب مواعيده. إن كل هذه المؤثرات والمتغيرات تؤثر على الشخص السليم فما بال الشخص المصاب بمرض السكري. كما أننا لم نتطرق إلى نوعية الطعام في شهر رمضان والذي يحوي الكثير من السكريات البسيطة سريعة الامتصاص. كما أن المشكلة لا تقتصر على وقت النوم وتغييره ولكن المشكلة تمتد إلى تقسيم النوم وتقسيم أوقاته. فهناك نوم ما بعد تناول الطعام ونوم طبيعي، فمريض السكري كغيره ينام بعد تناول طعام الإفطار وكذلك ينام بعد تناول طعام السحور. وعادة ما يكون النوم مضرا بعد الأكل مباشرة. وقد دلت بعض الدراسات أن مقدار الشهية للطعام يرتفع بشكل كبير لدى الإنسان الصائم مما يؤدي به إلى تناول كميات كبيرة من الطعام في فترة الإفطار. قد يؤثر ذلك بشكل محدود على الشخص السليم ولكن يؤثر بشكل كبير على مريض السكري والذي لا يتحمل جسمه استقبال كميات كبيرة من السكريات في آن وحد نتيجة خلل الإنسولين أو خلل فعاليته مما يصيبه بالخمول والتعب بعد تناول الطعام. هذه الشهية المفرطة للطعام تكون لدى المرضى الصائمين نتيجة ارتفاع هرمون اللبتين وهو الهرمون المسؤول عن الشهية وتنظيمها. وبلا شك يؤدي ذلك إلى زيادة الوزن التي بدورها تضعف مستقبلات الإنسولين وتضعف حساسيتها.
أما بالنسبة لانخفاض السكر، فمن الدراسات الجميلة هي تلك الدراسة التي أوضحت أن مستوى السكر قد ينخفض لدى مريض السكر غير المنتظم والذي لم يراجع طبيبه المسؤول عن ضبط جرعات العلاج. إن هذا الانخفاض في مستوى سكر الدم أثناء فترة الصيام يكون أشد في حالة عدم تناول طعام السحور ويكون مستوى السكر مرتفعا في حالة ما بعد الافطار. قد اتضح هذا الأمر بصورة أكثر تفهما بعد استخدام أجهزة تحليل السكر المستمر والتي أجريت على عدد من مرضى السكري النوع الأول والنوع الثاني أيضا. وبالرغم من أن الدراسات التي شملت عددا محدودا من مرضى السكري النوع الأول ومرضى السكري النوع الثاني أوضحت أن معدل السكر التراكمي لا يختلف كثيرا في فترة شهر رمضان وما بعد أو ما قبل شهر رمضان، إلا أن الحيطة واجبة والحذر كذلك. ويجب التنويه على مسألة الجفاف خاصة في فصل الصيف الحار فهناك دراسة سعودية أضحت زيادة في حالات الجفاف والتي أثرت سلبا على العين لدى مرضى السكري.
مخاطر الصيام المتوقعة
لدى مريض السكري
تشتمل مخاطر الصيام التي قد يواجهها مريض السكري أربعة مخاطر رئيسية وهي نقص السكر وزيادة السكر والجفاف وحموضة الدم. هذه هي المخاطر المعروفة والمرتبطة بمرض السكري سواء النوع الأول أو النوع الثاني وإن كانت حموضة الدم أقل حدوثا في مرض السكري النوع الثاني. ومن الدراسات التي ضمها موقع الاتحاد العالمي لمرض السكري أن نسبة حدوث انخفاض السكر زادت بنسبة أربعة مرات ونسبة حدوث ارتفاع السكر زادت بنسبة ثلاث مرات تقريبا ونسبة حدوث نقص السكر الشديد الذي يصاحبه تشنج أو غيبوبة زاد بنسبة سبع مرات وعدد حالات زيادة مستوى السكر الشديدة زادت بنسبة خمس مرات. وهذه النسب قابلة للزيادة في حالات خاصة، فهي تعتمد على عمر المريض، فالمريض صغير السن أو المريض كبير السن أكثر خطرا من غيره من المرضى. وتعتمد أيضا كذلك على الحالة النفسية للمريض، فالمريض الذي يشكو من أمراض نفسية أكثر تعرضا للمخاطر المذكورة سابقا. وأيضا المريض الذي يشكو من مشاكل الاكتئاب والتوتر أكثر عرضة أيضا . وأيضا الحالة الأسرية والعائلية مثلا. فالمريض الذي لديه من يسانده في العائلة وخاصة مريض السكري صغير السن يكون أقل عرضة للمضاعفات المذكورة سواء في شهر رمضان أو في غيره. كما أن المضاعفات التي تصيب مريض السكري تجعله أكثر عرضة للإصابة بمضاعفات مرض السكري الحادة أثناء الصيام في شهر رمضان المبارك.
وقد ذكر المختصون أن هناك عوامل محددة تجعل مريض السكري على خطر كبير عند صيام شهر رمضان وهي كالتالي: نقص سكر الدم الشديد خلال الثلاثة أشهر الماضية قبل الصيام، حدوث حموضة الدم خلال الثلاثة أشهر السابقة لشهر رمضان، الاصابة بالغيبوبة بسبب زيادة مستوى سكر الدم قبل دخول شهر رمضان، مرض السكري غير المتحكم به، معدل السكر التراكمي المرتفع وغير المتحكم به، حدوث انخفاضات لمستوى سكر الدم متكررة قبل دخول رمضان. سكر الحمل وخاصة في الأشهر الأخيرة منه وأيضا مرضى السكري الذين على غسيل للكلى والمصابين بالفشل الكلوي. هذه الحالات السابقة تجعل مريض السكري على خطر كبير وتسمى مرحلة الخطر الأولى لمريض السكري وقد يطلب من مريض السكري عدم الصوم نتيجة هذه المشاكل والخوف من خطرها على المريض. وتكمن المشكلة أن مرضى السكري يصرون على الصيام بالرغم من خطورة الصيام.