الخميس، سبتمبر 03، 2009

أمراض الحساسيه

تُشكل أمراض الحساسية أحد العناصر في مجموعة ما يُعرف بـ «أمراض العصر». والشكوى من حالات فرط نشاط تفاعلات جهاز مناعة الجسم مع مواد هي بالأصل غير ضارة، هو أحد الأسباب الشائعة جدا لمراجعة الكثيرين لعيادات الأطباء، سواء المتخصصين في طب الجلدية أو الصدرية أو الأنف أو العيون أو غيرهم. إن أي مادة قد تكون سببا في حساسية جهاز مناعة الجسم وفرط نشاطه تجاه وجودها في الجسم، مثل الغبار ولقاح الزهور أو المواد المتطايرة من النباتات أو إفرازات الحشرات أو أي دواء، أو أي نوع من المنتجات الغذائية، أو مركبات كيميائية في أجزاء الفيروسات أو البكتيريا. مظاهر تفاعلات الحساسية قد تقتصر على بُقع ومناطق محددة في الجسم، كالطفح الصغير للاحمرار الجلدي، أو حكة في العينين أو العطس أو سيلان الأنف. كما أنها من الممكن أن تنتشر في مناطق واسعة من الجسم، لتشمل الجلد والعينين والحلق والأنف والقصبات الهوائية وغيرها. وتفاعلات الحساسية قد تكون ذات مظهر واحد، كالحكة واحمرار الجلد مثلا، وقد تشمل عدة مظاهر كالحكة الجلدية وضيق التنفس والعطس واحمرار العينين وانخفاض ضغط الدم وزيادة نبض القلب وغير ذلك. وتشير الإحصائيات الحديثة في الولايات المتحدة إلى أن أكثر من 400 شخص يموتون سنويا جراء الحساسية من البنسيلين.
* عالم داخلي وآخر خارجي
* بالنسبة لجسم الإنسان، هناك عالمان منفصلان تماما. الأول، «العالم الداخلي».
والثاني، «العالم الخارجي». والعلاقة ما بين العالمين متشابكة جدا، والجسم يعرف ذلك جيدا. وابتداء يُوجد جسم الإنسان داخل محيط العالم الخارجي من حوله. وهذا الجسم مُحتاج إلى أن يعيش ويتكيف مع هذا العالم الخارجي المحيط به من كل جانب. وعناصر حياة هذا الجسم متوفرة في العالم الخارجي، كالهواء والماء والعناصر الغذائية، وعليه أن يُدخلها إليه وأن يتقبل وجودها. وبالإضافة إلى «عناصر الحياة»، يحتوي هذا العالم الخارجي على عناصر تحمل في طياتها شتى أنواع المخاطر للجسم البشري. ذلك أنها قد تكون سببا في مرض الجسم أو تلف أجزاء منه أو تهديد سلامة حياته. وعليه، يسعى الجسم للحفاظ على بقائه في الحياة وهو بأفضل حال وصورة وقدرات ممكنة، في مواجهة عوامل الخطر الموجودة في المحيط البيئي والجغرافي والحيواني والبشري والميكروبات والسموم وغيرها.
وفي «صراع البقاء» هذا، يستخدم الجسم بتناسق كل إمكانياته، ضمن منظومة دفاعية متناغمة في الأداء. ويُسخر الجسم طاقاته العقلية وخبرات تجاربه وقدراته العضلية لتجنب مواجهة شتى أنواع المخاطر أو الابتعاد عنها حال مواجهتها، أو للتغلب عليها.
وضمن المنظومة الدفاعية للجسم يوجد نظام غير مرئي، ولكنه ذو قدرات جبارة، يدعى «جهاز المناعة». والمهمة الأساسية لعناصر هذا الجهاز، هي التعامل مع عناصر الجراثيم، الصغيرة في حجمها والبالغة الضرر في أذاها، كالفطريات والطفيليات والبكتيريا والفيروسات.
ويعتمد جهاز المناعة نظاما كيميائيا معقدا للتعرف على الجراثيم، أي من خلال المكونات الكيميائية لتراكيب أجزائها. وعند وصول هذه الجراثيم إلى الجسم، ونجاحها في الدخول إليه، يبدأ عمل عناصر جهاز المناعة في الرصد والتعقب، ومن ثم بدء جهود القضاء عليها.
ولكن جسم الإنسان ليس فقط معرضا لدخول الميكروبات إليه، كشيء غير مرغوب فيه، بل هو يستضيف ويتقبل ويطلب أن تدخل فيه العناصر الغذائية. وذلك من أجل استخدامها في نمو الجسم وتشغيل أجهزته وتوفير الطاقة وغيرها. كما أن جسم الإنسان معرض لملامسة أو ابتلاع أو استنشاق عدد غير محدد من المواد الكيميائية الموجودة في البيئة من حولنا. أي في الملابس والأثاث والطعام والماء والهواء وغيره.
* خطأ في التعّرف
* ولدى بعض الناس، قد تختلط الأمور على جهاز المناعة حال التعامل مع العناصر الغذائية البريئة أو المواد الكيميائية المتطايرة في البيئة، أو حتى حال التعامل مع أنسجة الجسم الداخلية نفسها وفي أعضاء شتى منه. وحينها يفقد هذا الجهاز خصائص «اللياقة والتهذيب» في التعامل الإيجابي و«الترحيب بضيوف الجسم»، ممن دخلوا إليه لخدمته وتحسين وضعه، كما يفقد حس التعرف الذاتي على نفسه ومكونات جسمه. وبدلا من الاقتصار على القيام بـ «ردة الفعل» المناعية والدفاعية حال مواجهة الميكروبات والمواد الكيميائية الضارة، يغدو جهاز المناعة ذا «أخلاق هوجاء». وتمسي تصرفاته مزيجا من الرعونة والجهل واستنفاد طاقات الجسم. وكلما دخلت عناصر غذائية معينة، أو مواد كيميائية محددة، إلى الجسم، إما بتناولها أو بملامستها للجلد أو باستنشاقها، بدأت حروب متواصلة بين جهاز مناعة الجسم وبين أجزاء من المركبات الكيميائية الموجودة في العناصر الغذائية. والمشكلة أن ما يتضرر ويتأذى من هذه التفاعلات المناعية هو جسم الإنسان، المُصاب بالحساسية، في الدرجة الأولى والأخيرة.
والنوع الآخر من «اللخبطة» والضلال في تصرفات جهاز مناعة الجسم، يحصل حينما تنشأ لدى هذا الجهاز «حساسية» من أنسجة الجسم نفسه. أي يبدأ جهاز المناعة بالقيام بتصرفات ضد أنسجة أعضاء الجسم أسوة بتلك التي يتعامل بها مع الميكروبات. وبالتالي يبدأ بمهاجمة أنسجة الكبد أو الكلى أو المفاصل أو الجلد أو غيرها، ومن ثم التسبب في تلفها وفشل عملها. وهي ما تسمى أمراض الحساسية ضد أنسجة الجسم الذاتية.
ومما يتميز به العصر الحالي، انتشار حالات الإصابة بأمراض زيادة الحساسية من عناصر غير ضارة ومجموعات الأمراض المناعية الأخرى.
* أسباب الحساسية
* يمتلك جهاز المناعة دوريات مراقبة من خلايا الدم البيضاء. وعندما يتعرض الجسم لمادة ما، عبر التناول أو الاستنشاق أو ملامسة الجلد، فإن هذه الخلايا الدموية البيضاء إما أن تعتبرها مادة غير مثيرة للتفاعل معها، وإما أن تُصنفها كمادة غريبة antigen يجب التنبه لوجودها والقضاء عليها. والمادة الغريبة ستُحفز وتُثير خلايا الدم البيضاء لإفراز وإنتاج «أجسام مُضادة» antibodies خاصة بتلك المادة وحدها. وعملية الإنتاج هذه للجسم المضاد الخاص بمحاربة مادة معينة، تدعى «عملية التحسس» sensitization.
* الأكثر عُرضة للحساسية
* كل إنسان، وفي أي مرحلة من العمر، عرضة للإصابة بالحساسية. وهناك مجموعات أكثر عرضة لها، وتشمل:
- منْ سبق لهم الإصابة بتفاعل شديد الحساسية.
- مرضى الربو.
- من لديهم أمراض مزمنة لسدد بالرئة.
- من لديهم «بوليب» (زوائد) لحميات بالأنف.
- المُعانون من كثرة الإصابة بالتهابات الجيوب الأنفية أو الأنف أو الجهاز التنفسي.
- ذوي البشرة الحساسة.
* أعراض تفاعلات الحساسية
* إن شكل، والإحساس بتفاعل، الحساسية يختلف حسب الموضع والمنطقة في الجسم التي تأثرت به، كما يختلف بشدة حصول ذلك التفاعل. وبعض تفاعلات الحساسية قد تقتصر على مناطق محددة من الجسم، وقد تطال أجزاء متعددة. وشدة ونوعية تفاعل الحساسية ضد مادة معينة، كالأسماك مثلا، قد يختلف من شخص لآخر. ومن ناحية الشدة والقوة، هناك نوعان رئيسيان لنوعية تفاعلات الحساسية.
الأول: حالة «العوار». وهذه الكلمة العربية هي ترجمة كلمة «أنافايلاكسس» Anaphylaxis باللغة الإنجليزية. وفيها تجري أحداث حالة تفاعلات الحساسية بوتيرة سريعة وعميقة وبالغة الشدة، ما يهدد بشكل جدي سلامة حياة المعاني منها. وملاحظة حصولها لدى إنسان ما، يتطلب درجة عالية من التصرف السريع والحكيم لنقل المصاب إلى المستشفى دون أي مجال للتهاون والتأخير. ولذا فإن معرفة أحدنا بتلك العلامات والمظاهر الدالة على وجود حالة «العوار» هو أمر مهم، خاصة إذا كان من حولنا مصاب بالحساسية.
وأهم مظاهر حالة «العوار» هو حصول حالة «الصدمة»، أو ما تسمى Shock. وفيها يتدنى تدفق الدم إلى الأعضاء المهمة، أي القلب والدماغ والكبد والكلى. وذلك نتيجة لانخفاض ضغط الدم بسبب تأثر قدرة الأوعية الدموية على حفظ الدم في داخل مجاريها. ويبدو المصاب شاحب اللون، وباردا، وقد يكون ثمة زيادة في إفراز العرق أو لا يكون، ويكون التنفس صعبا، ومصحوبا بأصوات صفير الصدر، أو توقف التنفس بالمرة. ويبدأ المصاب بالقلق والهلع ثم بفقدان الوعي. وفي نهايات التدهور يتوقف القلب عن النبض. وهو ما يتطلب البدء بعملية الإنعاش القلبي والرئوي، كوسيلة لإنقاذ حياته من الهلاك.
الثاني: حالات أخف شدة. وهي قد تكون ذات عدة مظاهر وعلامات، مثل:
- احمرار الجلد، حكة، انتفاخ الجلد، ظهور بثور جلدية، أو خدوش، أو طفح، أو غيرها من التغيرات الجلدية.
- سعال، ضيق في التنفس، صفير في الصدر حال خروج هواء الزفير.
- تورم الوجه، أو الجفون أو الشفاه أو اللسان أو الحلق. وصداع.
- احتقان الأنف مع انسداد جريان الهواء عبره، سيلان من الأنف لسائل شفاف لزج، العطس.
- احمرار العينين، كلاهما. أو حكة في العين، أو تورم الجفون، أو زيادة إفراز الدمع.
- ألم في المعدة، أو الغثيان والرغبة في القيء، أو القيء أو الإسهال، أو خروج دم مع البراز. وبخلاف فائدة إنتاج خلايا الدم البيضاء لـ «أجسام مضادة» مُوجهة ضد الميكروبات والمواد الضارة الأخرى، فإن ما يجري بشكل خطأ في حالات الحساسية، هو إنتاج خلايا الدم البيضاء لـ «أجسام مضادة» موجهة ضد مواد غير ضارة بالأصل. ونوعية الأجسام المضادة في حالات الحساسية هي من نوع إي E، وتسمى IgE. ونوعية إي من الأجسام المضادة تتولى تنشيط إنتاج وإفراز مجموعة من المواد الكيميائية والهرمونات. وتُسمى هذه المجموعة بـ «الوسائط» mediators. ومن بين هذه الوسائط مادة «هيستامين». وعند حصول تفاعل حساسية في منطقة ما من الجسم، فإن عناصر مجموعة الوسائط هذه تعمل على إحداث تأثيرات تغير من استقرار وهدوء حال الأنسجة والأعضاء، كما أنها تستدعي مزيدا من خلايا الدم البيضاء كي تظل في تلك المنطقة من الجسم. وإذا حصل تفاعل الحساسية فجأة في منطقة ما من الجسم، وأدى إلى ظهور سريع وعال لكمية عناصر مجموعة الوسائط، حصلت تأثيرات الحساسية في تلك المنطقة بسرعة أيضا.