هل تذكر آخر مرة أصابتك الدهشة.. الدهشة هي التي قادت العلماء والعباقرة للتوصل الى مكتشفاتهم.. الدهشة هي التي جعلت نيوتن يتوقف كثيرا ويفكر بعمق حينما سقطت على رأسه تلك التفاحة من أعلى الشجرة والتي قادته فيما بعد إلى اكتشاف الجاذبية.. الدهشة هي التي جعلت الفلاسفة والمفكرين أن يتوصلوا الى ما وصلوا اليه من معلومات ونظريات وحقائق.. وهي التي انشغل بها أرسطو وافلاطون وسقراط.. وجعلتهم يتوقفون عندها كثيرا في مسعاهم الى مكافحة الجهل وتغيير مسيرة الكون.. ونشر أفكارهم الفلسفية وآرائهم النظرية.. الدهشة سر من أسرار الكون وميزة أساسية من ميزات البشر.. لم تكتشف إلى اليوم.. ولم تعرف أسبابها.
لا يكف البشر عن الدهشة والانبهار بكل جديد يتعرضون له.. الدهشة تقع حين تفاجئ بتصرف ما أو سلوك معين أو حين تكتشف حقيقة غائبة أو حين تقع عيناك على ما هو غير مألوف.. فهناك الدهشة الايجابية حين تنبهر بشيء وتستحسنه، والدهشة السلبية حينما تفاجئ بشيء ما وتستاء منه!!.
قد يدهشك فيلم سينمائي أو مشهد تمثيلي او قصيدة شعرية أو حتى بيت شعر.. او يدهشك منظر أو معلومة أو لوحة أو صورة.. مصادر الدهشة كثيرة ومتعددة.. قد تندهش لتصرف يقوم به أحدهم خارج المألوف سواء كان سلبا أو ايجابا.. أو تدهشك حركة أتى بها طفلك الصغير.. أو تدهشك حقيقة عرفتها مؤخرا فتغير الكثير من قناعاتك أو معلوماتك السابقة.. أو تدهشك الطبيعة بما لم تكن تتوقع أو تتخيل!!.
يعتمد القادة والساسة والخطباء عادة على فكرة إدهاش الشعوب واثارة حماسهم بالقول أو بالفعل.. فغالبا ما يسعى الزعماء الى تضمين خطبهم ما يثير دهشة المواطنين.. ويلجؤون الى أفعال تثير انبهارهم.. مثل ما حدث يفاجئ مرتادي أحد المطاعم الشعبية في قلب العاصمة واشنطن بوجود الرئيس الأمريكي بارك أوباما لتناول غدائه بينهم.. بالتأكيد ستعلوا الدهشة وجوههم.. لكنها ليست كما دهش نيوتن وتفاحته.
كما يعتمد الأدباء والرواة والمثقفون على عنصر الدهشة في رواياتهم وقصصهم والحكايات التي ينسجونها من حدائق الخيال بداخلهم.. فتثير الفضول بداخل القراء وتجعلهم أكثر حماسا ورغبة في مواصلة القراءة لاكتشاف التفاصيل.. واكتشاف حقيقة الغموض.. إنها دهشة الغموض التي تثير داخل النفوس فضولا كبيرا للمعرفة.
أغلب المكتشفات العلمية كان سببها الدهشة.. الدهشة هي التي قادت أنشتاين للتوصل الى علم الفيزياء.. وهي التي جعلت أرخميدس يصرخ بعلو صوته "وجدتها" حين توصل الى قانون طفو الأجسام داخل المياه، وهي التي قادت جيمس واط لاكتشاف المحرك البخاري، وهي التي جرت مدام كوري الى اكتشافاتها الكيميائية الكبيرة.. وهي التي لازمت الكثير من العلماء والعباقرة.. وكانت الدافع الأساسي لمخترعاتهم.
للدهشة سر كبير في داخلنا.. لها مساحة شاسعة للتأثير.. قد تدهشنا أبسط الأشياء.. وقد لا تدهشنا أصعبها.. أحيانا نلتقي بأناس فيدهشوننا بآرائهم وأفكارهم واطروحاتهم.. وأناس يدهشوننا بعلمهم وثقافتهم ومعرفتهم.. وأناس يدهشوننا بروحهم وخفة ظلهم ومرحهم.. وأناس يدهشوننا بذكائهم وعبقريتهم.. المعرفة تثير الدهشة في نفوسنا.. والغموض هو أكثر ما يثير دهشتنا.. الأسرار عالم مليء بالدهشة.. الأبواب المغلقة دائما تثير فضولنا ودهشتنا.. الحكايات والقصص الغامضة مصدر ممتع للدهشة والانبهار.
لا نكف عن الاندهاش.. لا يمكن أن نتمكن من التحكم في التكوين الاندهاشي بداخلنا.. فهو ميزة ربانية لا يد لنا فيها.. المصدر الأساسي للاندهاش هو تعقب المجهول أو انكشافه فجأة.. المفاجآت لها دور كبير في اندهاشنا.. وان كانت حالة الاندهاش.. أو ردة الفعل الاندهاشية تختلف من شخص لآخر.. قد يدهشني شيء.. لا يحرك ساكنا بداخلك.. سبحان الله.
لا يوجد تعريف علمي واضح لفكرة الانبهار او الدهشة.. وهي بالتأكيد ردة فعل عفوية وسريعة لأي حدث مفاجأ قد يتعرض له الإنسان.. ويعرف الفن بأنه "تلك الدهشة التي تعتريك وتسيطر عليك عند رؤيتك منظرا طبيعيا أخاذا تراه لأول مرة".. وكثيرون قرنوا بين الدهشة والحيرة على اعتبار أن الدهشة جزء مرتبط بالحيرة خاصة في التعامل مع كل ما هو غامش ومحير.. وقد تكون الحيرة إحدى طرق الدهشة.. قد تكون.
إذا للدهشة فضلها الكبير في حياتنا.. ولها متعتها الخاصة بداخلنا.. ولها مذاقها الفريد في نفوسنا.. لا حرمكم الله من الدهشة الايجابية ومتعتها.. ودمتم سالمين.