العالم العربي مر بتحولات مريرة منذ فجر الاستقلال الصوري في منتصف القرن المنصرم، وقد كانت أهم معالم تلك التحولات احتلال فلسطين ونكسة (١٩٦٧م) والانقلابات المتتالية التي رفعت الشعارات المختلفة حتى أساءت لها وظل العسكر يحكمون أغلب الدول العربية بالحديد والنار ومصادرة الحريات واستهلكوا الشعارات التي تمثل أمنيات لكل عربي ينشد وحدة أمته ورقيها وتقدمها.
لقد كات الممارسة عكس الشعارات المرفوعة، ناهيك عن استغلال قضية فلسطين أسوأ استغلال حتى ملت الجماهير من تلك الشعارات وممن يرفعها، ولذلك ظلت الشعوب مثل الغريق الذي يتعلق ولو بقشة، وظلت أمورها تدار من خلف الكواليس ومن خلال خلق الخلافات بين الحكومات، ومن خلال جعل الثقة بالأجنبي أكبر وأهم من الثقة بين الحكام العرب وبعضهم البعض.
مما لا شك فيه أن من أهم مقومات نجاح القيادة المصرية الجديدة قدرتها على إدارة كفة الاقتصاد لأن النجاح في ذلك المضمار هو العامل رقم واحد في كسب رضا الناس. ومثل ذلك التوجه لايمكن أن ينجح إلا بتضافر جهود جميع القوى الفاعلة هناك
حتى إذا جاءت حروب الخليج الثلاث ومن قبلها الثورة الإيرانية ومحاولة تصديرها من قبل ملالي طهران بالإضافة إلى ما أفرزه احتلال العراق كل ذلك فتح الباب على مصراعيه أمام استراتيجيات إعادة هيكلة وتشكيل منطقة الشرق الأوسط تحت شعار الشرق الأوسط الجديد الذي تبنته إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن وما تلاه من شعارات أخرى مثل شعار الفوضى الخلاقة وغيرها.
بعد ذلك جاء الربيع العربي الذي لم يزهر حتى الآن، فالوضع في تونس حيث بدأ الربيع لا زال هشاً، وكذلك الوضع في ليبيا واليمن أما في سورية فلا زال ليل الظلم والجبروت يخيم هناك، وإذا رجعنا إلى مصر فقد سارت الأمور في طالع ونازل حتى جاء استحقاق الانتخابات وفاز الدكتور محمد مرسي بنسبة لم يعهدها العالم العربي من قبل حيث حصل على نسبة ٥١.٧٣٪ وحصل منافسه أحمد شفيق على نسبة ٤٨.٢٧٪ وقد أقر الجميع بنزاهة الانتخابات ومصداقيتها،
الآن وقد فاز الدكتور محمد مرسي واستقال من حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للإخوان المسلمين وأعفي من بيعة الإخوان وذلك بهدف جعله رئيساً لكل المصريين على اختلاف انتماءاتهم وعقائدهم وتوجهاتهم وهذا شيء جميل إذا استطاع الرئيس مرسي الالتزام به ووفى بوعوده من حيث تشكيل مجلس رئاسة يضم بين جنباته ممثلين لجميع القوى الفاعلة ولم يركن إلى فئة على حساب فئة أخرى.
إن مثل ذلك التوجه سوف يخلق حكماً جماعياً تصعب ممارسة الضغوط الخارحية عليه من جهة، ويصعب تفرد الرئيس بالقرار من جهة أخرى، والأهم من ذلك إقامة تدرج في كل من السلطات التشريعية والتنفيذية وحمايتهما بدستور متقن يضمن الاستقرار ويعطي لكل ذي حق حقه.
أعود لأقول إن أهم أسباب تخلف العالم العربي هو تدخل دوله بشؤون بعضها البعض حتى فقدت الثقة بين حكامها. وهذا ما جعل كل دولة تدور في فلك مستقل حتى إنك تجد أن الميزان التجاري بين الدول العربية مختل وتجد ذلك الميزان مع دول العالم الأخرى متوازناً! فالكل غائب والسوق العربية المشتركة حلم والمؤسسات العربية الموحدة التي تشرف عليها الجامعة العربية لا تعدو حبراً على ورق ناهيك عن مؤتمرات القمة.
نعم إن مصر هي الدولة العربية الكبرى فإذا استطاعت أن تنتهج سياسة متوازنة فإنها مؤهلة لأن تشكل قوة فاعلة على المستوى العربي والاقليمي والعالمي، واليوم وقد وصل الإسلاميون إلى منصب الرئاسة في جمهورية مصر العربية فإن عليهم بادئ ذي بدء أن يلتزموا بالآتي:
* الوفاء بتعهداتهم من حيث العدل والمساواة والالتزام بالديمقراطية التي أوصلتهم إلى ما وصلوا إليه بجميع أبعادها التي تضمن التعددية والحريات الشخصية والجماعية وقبول الاختلاف في الرأي ومبدأ تداول السلطة عند استحقاقها وذلك من خلال الاحتكام إلى القانون وصناديق الاقتراع وليس إلى الشارع.
* إن الخوف كل الخوف أن تتم المتاجرة بالشعارات الإسلامية بنفس الطريقة التي أساءت إلى الشعارات القومية، حتى تفرغ من محتواها وبالتالي تتولد كراهية ضد تلك الشعارات ومن يحملها، وهذا إن حدث فهو مصيبة كبرى لأن ذلك يسيء إلى الإسلام والمسلمين بصورة تشكل أكبر خدمة للقوى المتربصة بالإسلام وأهله مثل الصهاينة وغيرهم الذين لن يألوا جهداً في سبيل الإضرار بالإسلام منهجاً وتطبيقاً وسمعة.
* التدخل في شؤون الآخرين من أكبر المعوقات التي سوف تعيد مصر إلى المربع رقم واحد. حيث إن مثل تلك الممارسة سوف تخلق عداوات وشقاقاً ومنافسة غير شريفة ملت الشعوب العربية من آثارها. والمصيبة أنه في ظل الثورة الإعلامية سواء في مجال الإعلام التقليدي أو الإعلام غير التقليدي أصبحت الشائعة والاصطياد بالماء العكر وتضخيم الأحداث الصغيرة واللعب على حبال العاطفة تسهل خلق المشاكل بين الدول الصديقة، ولعل خير شاهد على ذلك البلبلة التي تسببت في مهاجمة السفارة والقنصليات السعودية في مصر والتي أدت إلى سحب السفير وإغلاق السفارة هناك، فالديمقراطية شيء والفوضى شيء آخر.
* إن الحكومة الإسلامية في تركيا والتي يقودها حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان تمثل أسلوبا يحتذى حيث استطاعت تركيا تحت تلك القيادة كسب ود الجميع والنهوض بتركيا على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياحية والعلاقات الدولية، فلو استطاع المصريون أن يستخدموا ذلك النهج فإنهم سوف يخلقون من مصر قوة فاعلة على المستوى المحلي والاقليمي والدولي.
* إن وصول الإسلاميين المعتدلين إلى سدة السلطة سوف يحد من تنامي وكثرة المنظمات الإسلامية المتطرفة مثل تنظيم القاعدة والسلفيات الجهادية والمنظمات التكفيرية لأن الاعتدال يكشفهم ويعريهم. وهذا الأمر ينطبق على مصر وغيرها.
* إن الاعتدال والتوازن يحميان من الانزلاق والمثل المصري يقول: «إمشي عدل يحتار عدوك فيك» فالصهيونية ممثلة بإسرائيل والقوى المعاضدة لها والمتربصون من داخل مصر وخارجها يفتلون شباكهم ويرسمون خططهم ويراهنون على فشل التجربة المصرية الجديدة، فهل يقبل الإخوة في مصر التحدي ويثبتون العكس؟
* إن بروز التنين الصيني من جهة وعظمة روسيا نفسها من جهة أخرى وبروزهما كقوتين فاعلتين على المسرح الدولي وعلى الخصوص الهيمنة الصينية على الأسواق العالمية وقدرة منتجاتها التنافسية كل ذلك ربما يجعل الغرب يعيد شيئاً من حساباته، بما يؤدي إلى تحييد العالم العربي والإسلامي اللذين يعانيان الأمرين من التآمر الظاهر والمبطن، حتى لا يدخلان ضمن حسابات القوى المضادة له والأخذ بالبروز بصورة متسارعة.
* مما لا شك فيه أن من أهم مقومات نجاح القيادة المصرية الجديدة قدرتها على إدارة كفة الاقتصاد لأن النجاح في ذلك المضمار هو العامل رقم واحد في كسب رضا الناس.
ومثل ذلك التوجه لايمكن أن ينجح إلا بتضافر جهود جميع القوى الفاعلة هناك وبالطبع يسبق ذلك إرساء قواعد الاستقرار، وإعادة هيبة الدولة فلا تنمية في ظل الفوضى، ولا استثمار في ظل انعدام الأمن.
* ومن المؤكد أن القوى المعادية للإسلام سوف تسعى بكل قوة إلى خلق مزيد من الاستقطاب بين السنة والشيعة على المستوى العربي والإسلامي مستغلين تطرف ملالي طهران وعشمهم في تطرف الإسلاميين السنة الذين وصلوا إلى الحكم في مصر وغيرها. لذلك فإن نزع فتيل ذلك الاستقطاب يتم بالحرص على الاعتدال والبعد عن التطرف.
* الإسلاميون الذين وصلوا إلى سدة الحكم عليهم ممارسة السياسة بصورة احترافية تحيّد الهجمة الصهيونية ضد الإسلام. إن آذان وعيون وإعلام القوى المعادية للإسلام مفتوحة تترصد الأخطاء وتعمل على جعلها وقوداً لعجلتها الإعلامية التي لا تتوقف عن بث الشائعات والأراجيف وتشويه صورة الإسلام.
* تعرية العدو الأول للإسلام المتمثل في المنافقين الذين يلبسون الدين ظاهراً وهم ألدّ الخصام فهؤلاء هم ألد أعداء القيادة المصرية الجديدة، فهل تستطيع تلك القيادة فرز الغث من السمين؟