علم المعلوماتية الحيوية (Bioinformatics) بشقيه المكون من علوم الحاسب الآلي وعلوم الأحياء الدقيقة ورابطهما علم الرياضيات من مفهوم المساعدة في تطوير وتحسين وإيجاد العلاج الفعال لأمراض خطيرة لطالما أهمت حاملها ومعالجها. في هذا المقال أود أن ألقي الضوء على تخصص دقيق من تخصصات الحاسب الآلي وما يحمله من أسرار خفية في تتبع عمل الجهاز الخلوي
(cellular system) في جسم الإنسان.
إن الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) هو أحد تخصصات علوم الحاسب الآلي الدقيقة التي جمعت بشكل رئيس علم الرياضيات والبرمجيات وكذلك الهندسة لتطوير خوارزميات تحاكي عقل الإنسان وتستطيع أن تقوم بأعمال دقيقة يدخل فيها طابع الذكاء الآلي . إن استخدام الذكاء الاصطناعي وبخاصة فرعه الأساسي المسمى تعليم الآلة وتنقيب البيانات
Machine Learning and Data Mining أصبح ضرورة ملحة في ظل وجود تقنيات عالية في مختبرات الأبحاث تستخدم في قياس ومعرفة عمل الجينات داخل خلايا الجسم. هذه الأهمية تتبلور في كون أن عمل الجهاز الخلوي في جسم الإنسان أصبح بالإمكان قراءته وتحويله إلى بيانات رقمية يمكن تخزينها في قواعد بيانات كبيرة باستخدام تقنية تسمى Microarray. هذه التقنية تستخدم في مختبرات الاحياء الطبية لتتبع عمل الاف الجينات دفعة واحدة . كما أنها تتيح للباحث الإحيائي أو الطبي أخذ صورة كاملة عن عمل الجهاز الخلوي تحت ظرف معين . فعلى سبيل المثال : يمكن بواسطة Microarray تتبع عمل الجينات مع بعضها البعض داخل الجهاز الخلوي المصاب بالسرطان . الجدير بالذكر هنا هو انه في السابق لم يكن باستطاعة عالم الاحياء الدقيقة دراسة أكثر من جين واحد في نفس الوقت ولكن مع تطور التقنيات الدقيقة مثل Microarray أصبح بالإمكان رؤية ودراسة عمل الاف الجينات دفعة واحدة.
إن ظهور مثل هذه التقنيات العالية قد أتاح الفرصة لكثير من التخصصات العلمية أن تتداخل مع بعضها البعض (Interdisciplinary Sciences) وتعمل جنبا إلى جنب لتطوير الأدوية المستخدمة في علاج أمراض خطيرة كمرض السرطان. بالإضافة إلى أن مثل هذه التقنيات وفرت قواعد بيانات ضخمة تحتوي على معلومات وبيانات مهمة حول طبيعة عمل الأجهزة الخلوية في جسم الإنسان عند حدوث السرطان . مع وجود مثل هذه القواعد الضخمة ظهر جلياً الحاجة إلى خوارزميات ذكية تقوم بالتنقيب وتعليم جهاز الحاسب الآلي كيفية استخرج معلومات دقيقه تتيح للمتخصصين في مجال الطب والاحياء علاج مرض السرطان بكفاءة عالية وبأقل الأضرار على المريض.
إن تلاحم مثل تقنية Microarray والخوارزميات الذكية لتنقيب البيانات وتعليم الآلة من تخصص الذكاء الاصطناعي قد يساعدنا كثيرا في تتبع مرض السرطان بكفاءة عالية ومن ثم تطوير العلاج الفعال للقضاء على السرطان بأقل الأضرار على جسم الإنسان ومن غير تأثير جانبي للخلايا السليمة داخل الجسم . فمن أهداف استخدام الخوارزميات الذكية في تقنية Microarray هو أن تقوم هذه الخوارزميات بتحليل مخرجات Microarray لاستنتاج ورسم عمل الجينات مع بعضها البعض على شكل شبكات جينية. هذه الشبكات الجينية تساعد على رؤية الجهاز الخلوي وطريقة عمل الجينات داخله بصورة واضحة حيث أن هذه الخوارزميات تستقبل قواعد بيانات تحتوي على قياسات جميع الجينات التي تم إنتاجها من Microarray وتكون المخرجات هي عبارة شبكات جينية توضح كيف تقوم الجينات بالعمل مع بعضها البعض داخل الجهاز الخلوي.
كيف يتم استخدام خوارزميات تنقيب البيانات وتعليم الآلة في تحليل مخرجات تقنية Microarray.
استنتاج الاختلافات بين الشبكات الجينية السليمة والسرطانية في خلايا البروستاتا لتطوير علاج سرطان البروستاتا.
أحد التطبيقات الحية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تعقب سرطان البروستاتا وذلك باستخدام خوارزميات تنقيب البيانات وتعليم الآلة. في البداية يتم استخدام تقنية Microarray لقياس عمل الجينات داخل الخلايا السرطانية في البروستاتا وكذلك أيضا قياس عمل الجينات داخل الخلايا السليمة للبروستاتا. تكون نتيجة هذه التجربة قواعد بيانات تشتمل على قياسات توضح كيفيه الأداء الوظيفي في الجينات المصابة بالسرطان وأيضا قياسات للأداء الوظيفي للخلايا للجينات السليمة.
بعد ذلك يتم استخدام الخوارزميات الذكية للتنقيب والمعالجة داخل هذه القواعد البياناتية وتكون المحصلة هي استنتاج شبكات جينية تفاعلية تتيح لنا رؤية عمل الجينات السليمة داخل البروستاتا وأيضا رؤية عمل هذه الجينات عند وجود سرطان البروستاتا.
بناء على هذه الشبكات الجينية تتم دراسة التشابهات والاختلافات في الأداء الوظيفي للجينات في الخلايا السليمة والسرطانية ثم يتم التركيز على مجموعة الجينات التي اختلفت وظائفها في الجهاز الخلوي المصاب بالسرطان داخل البروستاتا. بعد ذلك يتم استهدافها بعلاج خاص بدلا من استخدام المواد الكيميائية للجسم كاملا.
إن استخدام الخوارزميات الذكية قد أتاح لنا رؤية تفاصيل دقيقة لعمل الجينات والتي لا شك بأنها سوف تفتح لنا افاقا جديدة للتعامل مع أمراض السرطان ومحاربة الجينات المسببة له فقط بدلا من استخدام الحقن الكيميائية المستخدمة في الوقت الحاضر والتي تستهدف القضاء على الجينات المسببة للسرطان ولكن للأسف أيضا لها تأثيرها السلبي على بقية الأجهزة الخلوية داخل جسم الإنسان.
2- تأثير أنواع مختلفة من الأدوية على الجينات السرطانية في خلايا سرطان القولون.
من التطبيقات الحيوية أيضا للخوارزميات الذكية في تنقيب البيانات وتعليم الآلة هو معرفة مدى تأثر الجينات السرطانية بأنواع مختلفة من الأدوية المطورة . فمثلا هناك عمل قائم في الوقت الحاضر لتجارب يتم استخدام تقنية Microarray فيها وذلك لإنتاج قواعد بيانات تشتمل على قياسات لعمل الجينات السرطانية في خلايا القولون بعد تطبيق أنواع مختلفة من العلاج الكيميائي. في هذه التجارب يتم تطبيق نوعين من العلاج الكيميائي على جينات سرطانية من خلايا القولون وبعد ذلك تستخدم خوارزميات تنقيب البيانات للحصول على شبكتين جينيتين تمثل كل واحدة منهما عمل الجينات بعد تطبيق العلاج الكيميائي المطور.
إن وجود مثل تقنية Microarray وخوارزميات تنقيب البيانات المستخدمة تحت مظلة المعلوماتية الحيوية (Bioinformatics) سوف يسهم في المستقبل القريب في تطوير سبل اكتشاف وعلاج أمراض السرطان التي أصبحت مرض العصر وتذليل الصعوبات في تعقب أدق التفاصيل حول عمل الجينات المسؤولة عن تحفيز مثل هذا المرض داخل جسم الإنسان . ذلك أنه إذا حدد الجزء المحفز والمسبب للسرطان أصبح بالإمكان تطوير علاج خاص وفعال يستهدف هذا التغير الوظيفي الجيني إما بإزالته أو بمساعدته على العودة إلى الصورة الطبيعية له.