الغليان الديموقراطي الذي شهدته مصر خلال الأيام الماضية أشعل الكثير من الأفكار المحظورة والمطمورة. كانت جماعة الإخوان لا تنوي ترشيح رئيسٍ للجمهورية، غير أنها وكعادتها في السلوك السياسي الحرباوي أخذت على عاتقها قول الشيء وفعل نقيضه، وهي فعلت ذات النقيض. دخلت حركة الإخوان من خلال حزبها على خط العرش الرئاسي، تريد أن تأخذ المؤسسات بكل تفاصيلها. ولمن ينكر وجود أثرةٍ سياسيةٍ إخوانية في مصر عليه أن يتذكر متسائلاً عن الشيء الإيجابي الذي فعلته الحركة طوال الأشهر الأربعة الماضية وهي مدة الغلبة السياسية للإخوان في البرلمان! لن يجد إلا القوانين التي تخدم الحركة وهيمنتها وسطوتها واستبدادها.
جماعة الإخوان اِسْتُفِزّت كثيراً بالشعبية التي حصل عليها عمرو موسى وأحمد شفيق، وهما المرشحان اللذان تعرضا لحملة تشويه عاتية، وصبرا، وعانا الأمرين من التهم والتشويش، غير أنهما صبرا وإن لم يصلا إلى الحكم غير أن هذه الشعبية أوضحت لنا رسالة. الرسالة مفادها أن الشعب المصري ليس إخوانياً، وأن الذين رشحوا الإخوان هم فئة منه، فالمسألة ليست محسومة على الشكل الذي يتخيله الإخوان، عمرو موسى، وشفيق، رغم كل التشويه لهما من الأنصار المؤيدين في مناطق كثيرة، والأرقام تشهد لهم بذلك. وفكرة التهويل أو ادعاء وجود حسم لصالح الإخوان فكرة يجب أن تخرج من أدمغتهم. أحد الوجوه العروبية والذي طبّل وزمر للثورة وأعني به عزمي بشارة اعترف بعد الأرقام الانتخابية أن الشعب المصري منقسم وليس مؤيداً بشكل كلي للثورة، وهو اعتراف متأخر، ويعرفه الجميع.
تحاول جماعة الإخوان من خلال كتابها أو الصحافيين الذين يدورون في فلكها أن يصوروا الصراع السياسي على أنه صراع بين النظام والشعب! متهمين كل من عداهم بأنه من الفلول وأنه من الذين استفادوا من النظام السابق أو تربوا في أحضانه. فهمي هويدي مثلاً قال:" ان تصورتم ان المنافسة في انتخابات مصر بين حكومة مدنية أو إسلامية الحقيقة أنها ثورة بين الشعب والنظام .. بين الحلم والكابوس"! هكذا يحاول الإخوان ومن معهم أن يصوروا الخلاف السياسي على أنه بين الإخوان وبين حسني مبارك. حتى يكسبوا المزيد من الأصوات والمزيد من التأييد، وهي حيلة نتمنى أن لا تنطلي على الشعب المصري الذي لا نتمنى له أن يكون مستسلماً لخداع الإخوانيين وكتابهم.
كان الإخوان ينتقدون النظام السابق لأنه يضيق عليهم ويتهمهم بالإرهاب، ويقولون ان ممارسات النظام منعتهم من الحق السياسي والحرية السياسية. ولأن ذاكرتهم قصيرة فإنهم نسوا ممارساتهم الحالية، صور مسربة ومفبركة لمرشحين تحت دعوى تعاطيهم للمسكرات، أو تشويه لسمعة هذا المرشح، أو ادعاء فساد ذلك المرشح، من دون أدلة. الإخوان ترتكب نفس أخطاء النظام السابق وهي تدعي أنها تريد إخراج المجتمع المصري من تلك الحقبة. كيف يمكن للإخوان أن ينهوا تلك الحقبة وهم يمارسونها فعلاً؟! بل إن ممارسات عمرو موسى وشفيق الانتخابية أفضل من ممارسات المرشحين الإخوانيين الذين أساؤوا من خلال أنصارهم لبقية المرشحين!
مصر تختار الآن بين أن تكون مع العالم أو أن تكون ضد العالم، مع العصر أو ضد العصر، مع التقدم أو ضد التقدم، حتى وإن اختير أحد المرشحين الإخوانيين غير أن هذه الانتخابات كشفت بأرقامها عن وجود أصوات أخرى بمصر، وأن أي إغفال أو تحييد للمرشحين الآخرين بكل قوتهم يعني الاستهتار بالديموقراطية. الانتخابات قالت للإخوان الذين يعيشون نرجسية كبيرة أن الشعب المصري متنوع. مائة مليون مصري أو أقل بقليل أو أكثر يستطيعون أن يسقطوا الإخوان بعد أن يعرفوا حقيقتهم، وهذا ما نشاهده في القنوات، الكثير من النساء والشباب يقولون ان الإخوان لم يفعلوا شيئاً في مجلس الشعب للمواطن المصري، وهذا سؤال منطقي ربما تكشف عن ضرورة الإجابة عليه مسيرة مصر في قادم الأيام.