إسرائيل باتت الغائب الحاضر في الشأن الرئاسي المصري.. وهو ما دفع في ظني إلى استثارة مخيلة المراقبين لرسم سيناريوهات المستقبل تجاه إسرائيل تحديدا إذا ما انتهى الأمر إلى اجتياح وسيطرة لتيارات الإسلام السياسي.. ويجسد ذلك حالة من القلق الشديد والانزعاج المتزايد تعيشها "تل أبيب"، بعد نجاح الإسلاميين المصريين في الوصول إلى سدة السلطة التشريعية، والتقديرات الكبيرة بنجاح مرتقب لهم في الانتخابات الرئاسية، ما يعني إمساكهم بزمام الأمور الكاملة في مصر، ممَّا دفعهم للتحذير من خطورة الأوضاع فيها على الأمن الصهيوني، ومستقبل «إسرائيل» في المنطقة، الذي بات غير مضمون ومظلم. وما يزيد من هذا القلق الإسرائيلي المتفاقم أن مؤشرات الانتخابات المصرية تؤكد أن الأخطار الأمنية تتزايد، وعليها التحرك بسرعة قبل تمكن الإسلاميين من حكم مصر، مما يجعل التحرك ضد القوى المعادية في المنطقة أمراً مستحيلاً، خاصة وأن الإسلاميين المصريين يتمتعون بعلاقات جيدة مع من يوصفون ب «أعداء إسرائيل».
التخوف الصهيوني له ما يبرره بنظر دوائر صنع القرار الإسرائيلي، خاصة وأنه يعني نهاية معاهدة السلام، وصعود حكومة ملتزمة، لها أيديولوجية إسلامية، تضع نُصب عينيها تدمير «إسرائيل»، وإذا تواجد الإسلاميون في منطقة معينة، فإن «إسرائيل» ستشهد كارثة وكابوساً كبيرين، وفي الحد الأدنى فإن الوضع بالنسبة إليها سيكون غير مستقر. أكثر من ذلك، فإن النتائج المتوقعة للانتخابات الرئاسية المصرية من وجهة نظر تل أبيب، ستدفع باتجاه اتحاد القوى الإسلامية هناك، مما سيكبل أيدي «إسرائيل» في قطاع غزة، كما أن توجهاً متطرفاً سيسود منطقة الشرق الأوسط، وعلى الرغم من أن هذا ليس أمراً مفاجئاً، بل متوقعاً، لكن القوى الإسلامية الأكثر تنظيماً في الشارع المصري، قد حصلت على مساعدات كثيرة من جهات إسلامية عربية ودولية. في ذات السياق، طرح خبراء السياسة الاسرائيليون جملة من السيناريوهات السوداء المحتملة لمستقبل الوضع في مصر كشفت عن طوفان من الرعب في العقل الإسرائيلي أولها احتمال تسارع الأسلمة ونجاح الإسلاميين في صياغة دستور جديد يجعل الشريعة مصدر التشريع الرئيس، ويحول النظام المصري إلى برلماني، وينزع القوة من أيدي قادة الجيش، وسنَّ قوانين إسلامية في المراحل الأولى، بحيث يدخل الإسلام في كل مجالات الحياة، وهذا احتمال عالٍ. وثانيها أن يفشل الجيش في محاولاته صدَّ صعود الإسلاميين للحكم، ويعلن إلغاء الانتخابات، كما حصل في الجزائر، والإسلاميون يخرجون للشوارع؛ ليقمعهم الجيش والشرطة بعنف متعاظم، مما يؤدي إلى انشقاق في صفوفه، وفي نهاية المطاف نشوب حرب أهلية، وهو احتمال منخفض.
والسيناريو الثالث والأخير الذي يزيد من احتمالات التخوف والقلق الصهيوني، أن تسفر نتائج الانتخابات المصرية عن «تحول إستراتيجي» للأسوأ، لأن جميع علاقات إسرائيل بمصر تقريباً، قائمة مع الأجهزة العسكرية والاستخباراتية، بينما لا تمتلك علاقات مع المؤسسات السياسية المعادية.
المؤكد أن العاصفة الانتخابية التي تشهدها القاهرة في هذه الأيام تثير حالة من القلق الكبير لدى تل أبيب، وأن الوضع الجديد الذي تحياه مصر عشية الانتخابات الرئاسية يمثل ل «إسرائيل» زلزالاً حقيقياً، وليس من الواضح أنه سينتهي في المستقبل القريب، وأن احتمال الدخول في حرب مع مصر يجب أن يؤخذ في الحسبان.