السبت، أغسطس 20، 2016

هل تهدد الشبكات الاجتماعية عقولنا؟

 
الشبكات الاجتماعية ليست مفهوما جديدا على الإنسان، فهى متواجدة في الحياة اليومية وبكثرة، إلا أن الإنسان لا يلاحظها كونها جزءا من الطبيعة البشرية فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه يميل إلى التواصل مع أفراد جنسه والانخراط في شبكات معهم، مثل الأسرة والأصدقاء وزملاء العمل والجيران.
  أن نجاح وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية يعود، في جزء كبير منه، إلى القدرة على إخفاء الهوية وتعميتها كما لو كانت لعبة "استغماية" وهو ما يتيح للإنسان لعب أي دور يريد.
على أنه رغم هذا التغير الإيجابي الذي حبتنا به شبكات التواصل الاجتماعي، فإنها زادت أيضا حجم الضغوط الاجتماعية على الإنسان وعلى ردود أفعاله تجاه الآخرين، هناك آثارا جانبية لهذا النجاح على الشخصية والعقل الإنساني، فهي تؤدي  إلى انحراف الانتباه تجاه موضوعات سطحية لا تقترب قليلا أو كثيرا من احتياجاتنا ومشاكلنا الحقيقية، وذلك بسبب عدم القدرة على استيعاب هذا الكم الهائل من المعلومات التي نستقبلها، هذا الانحراف يخلق مجموعة من العوائق التي تمنع الإنسان من تركيز والانتباه على ما هو ضروري معرفته، هذه الشبكات قد تؤدي لخلق مشاكل في العلاقات الحياتية الحقيقية؛ فالمعارك الرقمية قد تتحول إلى تضارب وتبادل للكمات بين الأشخاص المنخرطين فيها، هذا إضافة إلى المشاكل الخطيرة الناتجة عن سوء الفهم في التواصل مع الآخرين.
 الأشخاص الفاعلون بكثرة في محيط الشبكة الاجتماعية الرقمية يعطون انطباعا زائفا بسيادة رأي ما على هذه الشبكة، والدراسات أثبتت أننا كمستخدمين لشبكات التواصل الاجتماعي كلنا تقريبا لدينا الإحساس بأن أصدقاءنا مشاركون بفاعلية أكبر منا، ولكن الحقيقة هي أن ما يقل عن عشرين بالمئة فقط من أفراد الشبكة هم الأكثر اتصالية، وعندما تشاهد شريط أخبارك على فيس بوك، سيتولد لديك انطباع بأن وجهة نظر واحدة صحيحة هي ما يمثل الرأي العام، وهو ما يؤثر على وعينا بالعالم المحيط بنا.
كلما زاد اتصالنا وتواصلنا بهذه الشبكات، كلما زادت كمية المعلومات المستقبلة، في البداية يكون الأمر سهلا، لكن بعد ذلك يصبح من المستحيل تقريبا إدارة واستيعاب هذا الكم الهائل من المعلومات الذي يشعرنا بالتخمة المعلوماتية، ورغم ذلك يصيبنا بالإدمان على استهلاك المعلومات والإحساس بالجوع والعطش المستمر للمزيد منها"شبكات التواصل الاجتماعي مكان جيد جدا لنشر الأخبار، ولكنها أسوأ مكان لتطبيق الفعل الاجتماعي في الحياة الواقعية، فالتغريدة لصالح قضية ما أو نشر رأي يدافع عنها يعطي المغرد إحساسا مصطنعا بالمشاركة في فعل اجتماعي ما أو أنه يبذل مجهودا ضخما في هذا الإطار، في حين أنه لم يتحرك من مكانه.
 أن الرسائل والنصوص القصيرة تؤثر في الأعصاب والمخ، ما يؤدي إلى فقدان القدرة على التركيز على مهام طويلة الأمد ككتابة المقالات أو قراءة الكتب.
 حتى الآن لا توجد إشارات تحذيرية واضحة من مخاطر الاستخدام المتوسط للشبكات الاجتماعية الرقمية على العقل، ولكن من المهم الانتباه لأمرين في غاية الخطورة، الأول هو أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لتوجيه الفكر والسلوكيات والدعاية أمر طبيعي ولا يمكن تجنبه، فلطالما حاول الإنسان اختراع أدوات تؤثر في عقول المحيطين به، ولكن يجب أن نكون واعين إلى أننا غير مجبرين ولا مضطرين للقبول والتسليم بأول خبر أو معلومة نجدها على هذه الشبكات وأننا يجب أن نطور آلية الشك في المعلومات، فتنويع مصادر المعلومات على الإنترنت أحد أخطر التحديات التي يواجهها الإنسان المعاصر لأنه ينزع إلى مطالعة مصدر واحد للمعلومات يضفي عليه الكثير من المصداقية، وهذا التنويع هو الحل الوحيد من وجهة نظره وذلك لاستحالة التأكد من مصادر الأخبار على هذه الشبكات.
والأمر الثاني  أهمية تطوير ما يسمى بالتفكير الجديد والذي تمثله شبكات التواصل، وهو التفكير السريع السطحي ذو التركيز المعمق قصير المدى، وذلك بالتوازي مع التفكير التقليدي الذي يركز أكثر على المهمات العقلية طويلة الأمد، لأن الإنسان في النهاية يحتاج إلى هذين النمطين لتنمية قدراته العقلية.