أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي بأنواعها (تويتر، فيسبوك، واتساب) ساحة تنتقل إليها المنازعات وتصفية الحسابات الشخصية بين الناس، ولم يعد غريباً أن نرى الشتائم والعبارات المسيئة والقذف متداولة بينهم وبمختلف الفئات العمرية دون خوف من الله أو مراعاة لصلة القرابة أو الزمالة، لدرجة بتنا فيه نشعر أن الوضع أصبح اعتيادياً رغم صدور نظام الجرائم المعلوماتية والتى تجرم هذه الأفعال لحفظ حقوق الناس وصيانة أعراضهم، وتعاقب من يثبت قيامها بمثل هذه الأفعال بأنه لن يفلت من العقاب، ولكن في بعض الحالات لم يستطع هذا النظام أن يكون بمثابة السياج الحديدي الذي يمنع الناس من تجاوزاتهم تجاه الآخرين.
إن ما نُشاهده من استغلال بعض ضعاف النفوس للتقنية وأدواتها في الإساءة إلى الآخرين يتطلب وجود أنظمة لمكافحة ومعاقبة مرتكبي الجرائم المعلوماتية في معظم دول العالم، وكذلك زيادة الوعي بمخاطر التقنية وأهمية حماية المعلومات والأجهزة والبرامج من الاختراق، إضافةً إلى أهمية أن تكون حماية الخصوصية من الشخص نفسه، من خلال معرفة طبيعة الجريمة المعلوماتية وعقوبتها.
لا شك أن وسائل ارتكاب الجرائم تختلف باختلاف طبيعة العصر، مثل استخدام التقنية والبرمجيات الحديثة في أنظمة الحاسب الآلي والاتصالات والتواصل الاجتماعي بطرق مختلفة بقصد السب والقذف والتشهير، وهذا النوع من الجرائم يسمى بالجرائم المعلوماتية التي تعتبر نوعاً من التعدي أو الامتناع عن عمل يمكن أن يلحق الضرر بمكونات وشبكات الحاسب ووسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي والحقوق المادية والمعنوية المحفوظة لكل شخص طبيعي أو على سبيل المثال، الدخول غير المشروع لتهديد شخص أو ابتزازه، لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، ولو كان القيام بهذا الفعل أو الامتناع عنه مشروعاً، وكذلك الدخول غير المشروع إلى موقع إلكتروني، أو الدخول إلى موقع إلكتروني لتغيير تصاميم هذا الموقع، أو إتلافه، أو تعديله، أو شغل عنوانه، إضافةً إلى المساس بالحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتفالمحموله المزودة بالكاميرا، أو ما في حكمها، والتشهير بالآخرين، وإلحاق الضرر بهم، إلى جانب إنشاء مواقع لمنظمات إرهابية على الشبكة المعلوماتية، والدخول إلى مواقع إلكترونية وأجهزة الحاسب الآلي للحصول على بيانات تمس الأمن والاقتصاد الوطني.
أن لجوء بعض الأشخاص إلى هذه النوعية من الجرائم يرجع إلى اعتقادهم بصعوبة اكتشافهم والإفلات من العقوبة، في حين أن الجريمة المعلوماتية تخضع في وسائل إثباتها إلى طرق أخرى بخلاف الجريمة التقليدية إذ إن وجود الجريمة الإلكترونية يتطلب وجود بيئة رقمية واتصال بعالم الانترنت، وبالتالي فإن إثباتها يتطلب استخدام أجهزة تقنية عالية لمعرفة طريقة حدوث وكيفية ارتكاب الجريمة ونسبتها إلى الشخص الذي قام بالتعدي على حقوق الآخرين بإحدى الطرق المنصوص عليها نظاماً، أن هذا النوع من الجرائم قد يصعب في بعض الحالات اكتشافها أو العجز عن إثباتها كونها جريمة متعدية الحدود وتتم في أكثر من دولة، ولكنها بالمقابل متى ثبت ارتكاب الجاني للجريمة عن طريق عنوان جهاز الاتصال أو الأدلة والقرائن المرتبطة بها، ففي هذه الحالة يصعب الإفلات من العقوبة، أن من يرتكب جريمة التشهير في الإنترنت غالباً ما يفتقد للوازع الديني والأخلاقي، وأن ازدهار الحضارة البشرية، وانتشار التقدم التقني ساعد في تسهيل الأمور الحياتية في العصر الحديث، ومن الطبيعي أن تكون هناك بعض المخاطر، المتعلقة بإساءة استخدام الحاسب الآلي والشبكة العنكبوتية ووسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، مما استدعى وجود أنظمة لمكافحة ومعاقبة مرتكبي الجرائم المعلوماتية في معظم دول العالم، أن مسؤولية حماية الخصوصية تبدأ من الشخص نفسه، من خلال معرفة طبيعة الجريمة المعلوماتية وعقوبتها، وزيادة الوعي بمخاطر التقنية وأهمية حماية المعلومات والأجهزة والبرامج من الاختراق.
بصمة رقمية
إن التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة بالطريقة المثلى والسليمة تعمل على تعزيز أواصر العلاقات بين كافة فئات المجتمع وتسهل التواصل والتبادل المعرفي بينهم، أن الاستخدام السيئ لهذه الوسائط مثل الشتم والقذف يترتب عليه مخاطر وتبعات اجتماعية تحمل في طياتها سلبية كبيرة، إضافة إلى الملاحقة القانونية التي قد تضع من يقوم بالاستخدام السيئ تحت طائلة المساءلة القانونية، أن الجهل بالقانون لا يخلي المسؤولية من العقاب، أن لانتشار هذه الظاهرة في المجتمع أسباب متعددة أهمها تدني الوعي المعلوماتي وانتشار الأُمية الرقمية، اً أن زيادة الوعي المعلوماتي هو أحد أهداف الخطة الخمسية الثانية للاتصالات وتقنية المعلومات، مشيراً إلى أن هناك اعتقاداً سائداً بأن استخدام المعرفات المجهولة أو الوهمية تمنع المساءلة القانونية وهذا الأمر غير صحيح، فالتقنيات الحديثة لديها المقدرة على تتبع حسابات التواصل الاجتماعي ومعرفة من يديرها بسهولة، كما أن البعض يغفل عن حقيقة أن جميع ما ينشر عن طريقه سوف يشكل مستقبلاً ما يعرف بالبصمة الرقمية للشخص والتي لا يمكن التخلص منها ومن تبعاتها، أن دور التعليم ووسائل الإعلام مهم في التوعية بالتنظيمات والتشريعات والسياسات الخاصة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة الوعي العام.
نظراً لحداثة استخدام هذة التقنية فإنها تعطي للكثير اعتقاداً أن بإمكانهم المشاركة في كل المحادثات الاجتماعية بطريقة تحفظ تماماً خصوصيتهم وتمنع اظهار شخصياتهم الحقيقية، وهذا طبعاً أبعد ما يكون عن الحقيقة، فرغم سن العديد من الأنظمة التي تردع المشهرين والذين يريدون استخدام قنوات التواصل لهدف الاضرار بالآخرين فإن هذا الشعور غير الصحيح بإمكانية التخفي قد اطلق العنان لقصار النظر الذين يعتقدون أنهم بعيدون عن طائلة القانون وطائلة المساءلة لأنهم فقط يستخدمون الفضاء وأنه لا يمكن الوصول إليهم،أن زيادة عدد مستخدمي الانترنت أدى إلى توفر مساحات ومواقع وقنوات هائلة لطرح مسائل جديدة لم يكن من السهولة طرحها تحت مساحة الضوء في مجتمع تعود على مستوى معين من الخصوصية وبدأ يكتشف أن هذة الخصوصية غير موجودة إطلاقاً في الفضاء الافتراضي، موضحاً أننا بدأنا نرى تصرفات لم يسبق لنا التعرض لها كأفراد ومجتمع سابق بل كما أتوقع أن تزداد حدتها نظراً لسهولة الفائقة التي تتيح للشباب وغيرهم من المشاركة بالرأي في أي موضوع يتم طرحه في هذا الفضاء بلا ضوابط.
أن الحل يكمن أولاً في المزيد والمزيد من التوعية بطبيعة هذه التقنية، وأن دور التوعية يقع على المدارس والجامعات في المقام الأول وكذلك الأسرة بآداب ومحاذير وعواقب استخدام وسائل التواصل، أيضاً وسائل الإعلام تلعب أهم الأدوار في نشر التوعية وإلقاء الضوء على العقوبات التي طالت مسيئي استخدام هذة التقنية وبمرتكبي الجرائم الالكترونية بأنواعها من احتيال وقذف وتشهير بالغافلين من الناس وأن يد القانون ستطالهم لا محالة رغم غلالة الخصوصية الزائفة التي يوحي بها الفضاء الافتراضي، لا يزال بعض المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي يقدمون أنفسهم ويطرحون أفكارهم من خلال استخدام الأسماء المستعارة، وبالمقابل نجد أن البعض الآخر يرفض التعامل معهم لأنهم "مجهولون" ولا يكشفون عن حقيقة أسمائهم أو تفاصيلهم الشخصية، من هنا قد يستخدم الاسم المستعار إما لشعور الشخص بالحاجة إلى الحرية في الطرح دون أن يعرفه أحد، وإما أن يُستَخدم كقناع للفوضى والعبث والنيل من الآخرين لأغراض شخصية أو لقناعات فكرية وتحزبية، ويأتي من هذا انتشار الشتائم الناتجة عن التعصب وضدية الرأي، وفي كل الحالات يمكن اعتبار أن الفرد يشعر بالتجرد من المسؤولية تجاه ما يفعل.
لقد بدأت هذه الظاهرة منذ زمن ولا تزال باقية إلاّ أنها تضاءلت نسبياً بين المستخدمين بعد أن أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي نقطة التقاء بين الثقافات المختلفة وفرصة لبناء العلاقات الإنسانية، وهذا يعني أن الوعي أصبح مطلباً، فمن الملاحظ أن بعض الفتيات والشبان يضعون تفاصيلهم الشخصية ومناطق إقامتهم ويكتبون بأسمائهم الحقيقية باعتبار أن كل حساب شخصي يعتبر إعلاماً للفرد عن نفسه، إضافةً إلى أنهم يسجلون حضورهم في أحداث التغير الثقافي والاجتماعي ويقدمون أنفسهم وأفكارهم للوعي كمثقفين، وذلك نتيجة للتفاعل الحضاري الذي سخرته مواقع التواصل الاجتماعي، مضيفةً أنه لا ننسى أن استخدام المواقع الافتراضية لدى الأكثرية يعتبر من إحدى وسائل التسلية والترفيه وهدر الوقت، ولكن المستخدمين بالمقابل يتطلعون لتتبع الأحداث والتفاعل معها والتعليق عليها من خلال الوسم الذي يتشاركون فيه لطرح قضية ما وإبداء الرأي حولها، وهنا تلعب التعددية الثقافية دورها في نبذ المتأخرين ووصفهم بالتخلف، مبينةً أن الثقافة الجديدة بدأت تتشكل وتظهر في قالب من المرونة والتقبل للآخر الأمر الذي من شأنه التخفيف من حدة الصدام، نتيجة للتسليم بواقع الفكر الحديث الذي يثبت وجوده في كل قضية وحدث، وهذا بعد التنافر الفكري الشديد الذي طال الحراك الثقافي على المستوى المحلي وعلى مستوى المجتمعات الأخرى في فترة الربيع العربي وما بعده، مُشددةً على أهمية فرض العقوبات والأهم من ذلك تفعيلها لأنها تساهم في الردع ومن شأنها المساعدة في تنظيم السلوك والتعاملات لدى المستخدمين، فيشعر المستخدم أنه مقيد بقيود أخلاقية على عكس اعتقاده أن وسائل التواصل فضاء حر فوضوي بلا قيود.