التطور التقني، ورغم فوائده الهائلة في الأعمال البشرية، إلا أن السلبيات أخذت بعداً مخيفاً ومع أن الاعتماد في سرقة المعلومات والتجسس على العدو بالوسائل البشرية ثم التقنية التي لم ترق للحاضر، كانت لها فعلها بين القوى المختلفة، إلا أن ما نشهده في الحاضر غيّر من تلك النظريات وأدبياتها.. فأمن المعلومات أصبح قريناً ومرافقاً لنتائجها، وصارت عملية اختراق معلومات دولة أو شركة أو أي منشأة حساسة بقصد سرقة المعلومات أو تدميرها، شرع لها ما يعرف بالجريمة الالكترونية، ومع ذلك صعب تطبيق ما يجري، خاصة إذا كان «الهكر» شاباً يستحيل الوصول إليه أو أن الدولة التي قام أحد أفرادها بهذا الفعل خدمها بحصولها على معلومات تهمها، أو أن الدول المتحاربة بهذه الوسائل التقنية باسم أمنها القومي، تعمد لاستخدام هذه التقنيات. وقد شهدنا خلال الشهور الماضية كيف تم اختراق مواقع نووية حساسة في إيران من قبل مجهولين قيل إنهم من إسرائيل وأمريكا وبلدان أوروبية أخرى، كذلك حالة الاختراق لمصارف إسرائيلية قيل إن خلفها أحد السعوديين فإسرائيل هي من الدول ذات التقنية العالية في حماية مجالها الالكتروني، وأكثرها اختراقاً لمعلومات الدول الأخرى.. ثم جاء الوصول إلى معلومات هامة تسببت في تعطيل معظم أجهزة شركة أرامكو، خطأ كبير ربما تسبب به العاملون داخلها من خلال كلمات سر مكشوفة، أو تسريبها بحسن النية، وهذا لا ينفع معه الاجتهاد لأن تحري الحصانة التامة في أمن معلوماتها والأضرار التي حدثت دفعتها للاستعانة بشركات دولية لفك الشفرة التي من خلالها وصل أحد المخترقين لجهازها الكبير، وهو ما كان مفترضاً توفيره مقدماً لأي احتمالات كهذه..
هناك من يعتبر الحصانة ممكنة ولكنها عرضة لكشف وسرقة المعلومات، ويقال إن الأسرار لم تعد بتلك القوة التي تستطيع حمايتها، لأن كل اكتشاف له ما يضاده ويضاهيه من حيث القدرة التقنية، ومن هنا جاءت الاستفادة من الكفاءات النادرة وتوظيفها لحماية الأسرار، وخاصة الأجهزة الأمنية، والبنوك والمصارف، وحتى ميادين البحث العلمي، جعل السباق باحتواء وجلب أصحاب التميز الخاص، أحد المهمات في التنافس على الكفاءة النادرة..
ولأننا في محيط عالمي تغيرت فيه الأنماط والأشكال والحروب، وبات توظيف العقل للآلة، مخيفاً، فإن مقياس النجاح يعتمد على قدرة كل جهة وضع أمن معلوماتها في البند الأول من اهتماماتها..
لقد دخل العالم حقبة جديدة في توظيف إمكانات العقل وتطوير الوسائل والأساليب العالية التقنية، وبات من يملك العقل والأجهزة المتطورة، هو سيد الموقف، والسباق سيكون مرافقاً لتطوير الأسلحة، والتقنيات العالية، كجزء من تنافس عالمي، وستكون الفجوة كبيرة بين من ينتج ويستخدم هذه الوسائل، وبين من يستوردها، وهي حقيقة العصر الحديث الذي تجاوز كل الأزمنة واختزالها..