من أكثر الأمور المثيرة للسخرية والتعجب إن الإنسان وبكل سهولة يقدم على إيذاء نفسه بأشياء مرغوبة لديه في نفس الوقت الذي يحرص على البقاء واستمرار الوجود.فالفأر يُصطاد بالجبنة والسمك بالطعم ، ولكن هذه المخلوقات لديها المعذرة الخلقية بسبب غرائزها الفطرية كوسيلة ارتزاق وبقاء ، فالإنسان نادرا ما يمتلك هذا العذر لينجرف في شؤون تؤدي به إلى الهلاك ، فمن الحماقة أن يقدم الإنسان على الانغماس في الكحول لحل المعضلات مثلا ، او المقامرة ليصبح غنيا ، او المخدرات ليصبح سعيدا ، فالشغف والإسراف وراء هذه السلوكيات هو الإدمان بنفسه أتون الصحة النفسية والبدنية .ولم يعد هذا السلوك متعلقا بالشواذ فقط ، بل أصبح السلوك الادماني مشكلة عامة وعالمية ومن أبرزها الإسراف في مشاهدة التلفاز ، فمعظم الناس يقّرون بالحب والكره له ، ويتذمرون من كثرة الآكل، او التدخين ،والجلوس على الأريكة ،في الوقت الذي لا يزال الريموت في قبضتهم .لقد أصبح التلفاز جزءً من الحياة الحديثة ، فمن النادر أن تجد منزلا في العالم يخلو منه ، وأصبح جلابا للاستضافات اليومية الكثيرة في بيوتنا ، واغلبها مزعجة من الدعايات والمهاترات والصراعات السياسية ، والإرهاب الاقتصادي بغلاء المعيشة وارتفاع أسعار المعادن ، والنفط ، والركود في البورصات والعقارات والسيارات ، والتضخم المالي ، والبطالة ، وإغلاق الشركات الكبرى والبنوك ...... الخ والدعايات المباشرة وغير المباشر لزيادة النمط الاستهلاكي ، وغسيل أدمغة البشر من القيم والمبادئ ،والرعب والخوف من مشاهد الحروب والكوارث الطبيعية والإرهاب الفردي والجماعي وإرهاب الدول من مشاهد القتل ، وإسالة الدماء والجرائم ، ومشاهد الانفجارات والموتى والمشوهين والدمار ، ومشاهد الضرب المبرح في المظاهرات ، والتعذيب في السجون ، وصراخ المنكوبين والمشردين ، والمنفيين ، والجائعين ، ومن أحلّت بدارهم النوائب والمصائب، وانتشار الفيروسات الايدز ، أنفلونزا الطيور ، وأخرها أنفلونزا الخنازير .........، ، فكل هذه المشاهد بكل مآسيها تتغلغل في النفس لتركن في أعماق المشاهدين خاصة الأطفال ليتولد القلق والخوف والكآبة والعنف .فالأطفال أكثر انتباهاً وتقليداً لما يشاهدون ، فالطفل بعد عمر عامين ونصف يبدأ التقليد لمشاهداته وفي الخامسة يتعمق في فهم الرسائل لما يشاهده من العنف ، فيبدأ بإعطاء التعليل والتبرير لما يشاهده بطريقة خاطئة وعلى هواه فلم يبلغوا ذلك النضوج العقلاني للفهم السليم فيعتقد أن العالم والمجتمع عالم العنف والسطو والقوة وان ذلك هو الطبيعي. فتذهب به المشاهد العنيفة المتكررة باتجاهين :- الأول : الرعب والخوف من الآخرين والاستسلام وبالتالي العزلة والجبن والتشاؤم والعناد وتدني الانتماء الأسري، و الأمان ، وقلة الصبر، وترك المهمات الدراسية ، والانحراف، وأحيانا الانتحار والثاني : التمرد على الرعب والخوف بالتحصّن جلد التمساح وإيذاء المحيطين به والعنف والسلوك الإجرامي الذي يصل إلى القتل والإرهاب. كل ذلك من وسائل الدفاعات النفسية في العقل الباطن عند الأطفال والمعروفة بسيطرتها عليهم.وكذلك الحال فان التلفاز عملية تلقائية نشطة تسحب من عقول البشر وذهنهم طاقاتهم الخلاقة .فبعد مرور ساعات من المشاهدات كم أضيع من الوقت للروحانيات والعبادات ، اوالاحتكاك الاجتماعي ، او القراءة ، او الرياضة والتفكير في انجازات اليوم والمستقبل ؟؟؟ لقد أجريت دراسات تخطيط الدماغ أثناء مشاهدة التلفاز فوجد تثبيط دماغي بزيادة أمواج ألفا على العكس تماما أثناء المطالعة والقراءة ، وتنتهي الدراسات بالإشارة أن التلفاز يعكس مدى امتصاص واختزال الطاقات الذهنية والنتيجة اضطراب التركيز ، والشعور بالإحباط وعقدة الذنب لإهمال الواجبات وضياع الوقت في المنفعة الشخصية وللآخرين ، والخمول الجسدي على العكس تماما من القراءة ، او الرياضة ، التي تؤدي إلى ارتفاع المزاج والنشاط والحيوية.واحدث الدراسات في جامعة هارفرد تبين أن مشاهدة التلفاز لفترات طويلة لدى الشباب يزيد من احتمالية حصول الكآبة بعد سنوات أكثر من 5ر2 ساعة يوميا وكل زيادة ساعة في المشاهدة اليومية ترفع من نسبة حصول الكآبة 8 % فأن الأشخاص الذين لديهم استعداد للكآبة هم أكثر ميولا للتلفاز والمزيد من الكآبة ، وكذلك الحال بالنسبة للجرعات فكلما ازدادت الجرعات للمشاهدة زادات نسبة حدوث الاضطراب النفسي ، وان أكثر الناس سعادة أولئك الذين هم اقل متابعة للتلفاز والأقل سعادة أولئك الذين يقضون معظم وقتهم أمام الجهاز هكذا تقول دراسة. ميريرلاند فالأكثر سعادة لديهم انشغالات بناءه زيارة أماكن العبادة ، و الأصدقاء ، الرياضة ، القراءة ، الكتابة ، والهوايات الأخرى ، إضافة إلى أن الدراسات أثبتت سوء الصحة الجسدية لطيلة مشاهدة التلفاز تدخين ، قهوة ، مأكولات ، ركود وقلة الحركة، وبالتالي البدانة واضطراب النوم.إن العلماء الذين درسوا تأثير التلفاز عبر عقود بخصوص مسألة الإسراف في المشاهدة ومدى تأثيرها على السلوك البشري خرجوا بإجماع على قضية الإدمان التلفزيوني والتي تتميز بقضاء وقت طويل في المشاهدة. فإجمالي الوقت الذي يقضيه الناس في مشاهدة التلفاز مذهلا ، ففي الدول الصناعية يقضي الشخص البالغ 70 عاما 9 سنوات كاملة في مشاهدة التلفاز .وقد أثبتت الدراسات الإحصائية أن 10 % من الناس يعتبروا مدمنين على مشاهدة التلفاز وتتضاعف هذه النسبة لدى الأطفال وسن المراهقة والشباب 20% .ان المشاهدة تضفي نوعا من الراحة النفسية السريعة بسبب الإزاحة والهروب من المعاناة ،فهذا الشعور النفسي ارتبط بهذا الجهاز بالاشراط الكلاسيكي .فحينما يغلق التلفاز يقل الارتياح ولذلك يعاود الفرد الرغبة بالمشاهدة وبذلك يصل الإنسان إلى الإدمان. فكل مشاهدة تؤدي إلى تضخيم الوقت لمشاهدات أخرى ... أنها مثل المهدئات التي سرعان ما تزيل أعراض التوتر ثم بعد انتهاء مفعولها يعود التوتر أكثر ليتناول كمية أكثر تصاعديا وهكذا ليصبح مدمنا .ويبدوا أن الجاذبية للمشاهدة تنبع من التوجيه البيولوجي للاستجابات الغرائزية السمعية والبصرية، لأي طارئ او جديد او ملفت او مثير سواء كان ذلك مفرحا او مقلقا ، والتغيرات الفسيولوجية تشمل اتساع الأوعية الدموية للعضلات ، وهبوط الأمواج الدماغية المثبطة مؤقتا لتحفيز العمليات الذهنية من انتباه وتركيز وحصر أكثر المعلومات بينما بقية أعضاء الجسم في هدوء ومن خلال ذلك يستفيد المروجون للدعايات او المحطات التي تقوم بالقطع المفاجئ لحين العودة إلى البرنامج حيث أنها تعمل بهذه الطريقة على تهيئة الجهاز العصبي مرة أخرى للانتباه والتركيز أنها الوسيلة وليس المحتوى لهذه الدعايات او المقاطعة هي التي تشد الانتباه .إن الانقطاع المفاجئ لمدمني التلفاز يؤدي إلى أعراض أنسحابية مثل القلق والعصبية المفرطة ، واضطراب المزاج وارتفاع الضغط والبض والرجفان ، لقد أصبح سؤ استخدام التلفاز في العالم كسوء استخدام المهدئات والأعراض الانسحابية مشابهة لها تماما .و أن الإسراف في متابعة التلفاز ليس مكانا للسعادة ونمط الحياة الصحية السليمة فإذا أردت أن تنعم بحياة أفضل عليك بالانتقاء الزمني والمحدد للبرامج التي ترغبها فقط تابع ما تحب إن تتابعه بالفعل ولا تقوم بالتحديق بالتلفاز كمعظم الناس غير آبهين أيا كان ما يعُرض .