تتعدد المخاطر المصاحبة لانتشار استخدام مثل هذه النقود على نطاق واسع،
فكيف سيمكن للسلطات النقدية في العالم التحكم في عرض النقود والسيطرة على نموها
بما يتوافق مع الأهداف الاقتصادية الكلية للسياسة النقدية في هذه النقدية إذا خرجت
عملية التحكم في عرض النقود من سيطرة البنك المركزي؟ كيف يمكن تجنب الأزمات
المالية التي يمكن أن تنشأ عن انتشار مثل هذه النقود في العالم على نطاق واسع؟
ولمن يمكن تحميل المسؤولية عنها؟
إنها أسئلة كثيرة
وخطيرة في الوقت ذاته، فهل يترك العالم أمثال هذه النقود لتنتشر فيه ليكتشف بعد
فوات الأوان أن الأمرأصبح خارج نطاق السيطرة فتسود الفوضى في الأسواق النقدية
والمالية؟ أم يستيقظ العالم مبكرا ويمنع انتشار مثل هذه العملات في هذه المعاملات الخطيرة
على المستوى الدولي؟
لعل أهم المشكلات التي
تصاحب انتشار النقود الافتراضية أن عملية تعدينها ''إصدارها'' تتم بواسطة أشخاص
مجهولي الهوية،كما أن عمليات تبادلها أو إنفاقها تتم تحت أسماء مستعارة وغير
حقيقية، ومثل هذه الخاصية تفتح المجال أمام استخدام النقود الافتراضية في إجراء
العمليات المالية غير القانونية أو القذرة مثل عمليات غسيل الأموال أو سداد قيمة
تجارة المخدرات، أو تحويل أرباح عمليات الجريمة المنظمة... إلخ، ولذلك يلاحظ أن
هناك تفضيلا بشكل عام لاستخدام هذه النقود في المواقع الإلكترونية غير القانونية،
بل إن هناك تخوفا من أن تصاعد استخدام مثل هذه النقود الافتراضية يمكن أن يسهم في
ازدهار الأنشطة الإجرامية عبر أنحاء العالم، باعتبار أن هذه النقود يمكن
.تحويلها إلى نقود
طبيعية في نقطة زمنية الأمر الذي يضفي عليها خاصية السيولة
من الأمثلة الشائعة
أخيرا في استخدام العملات الافتراضية في عمليات غسيل الأموال،كذراع لتمويل الأنشطة
الإجرامية في العالم، وذلك لمساعدة Reserve Liberty بالعمليات التي يقوم بها
الموقع بأنهم قاموا عن قصد تمويل العمليات الإجرامية وغسيل الأموال الناجمة عنها،
من خلال جعل أنشطة التمويل لهذه العمليات تتم تحت أسماء مستعارة أو وهمية، وتقدر
عمليات غسيل الأموال التي تمت من خلال الموقع بنحو ستة مليارات دولار من الأموال
القذرة، كما أن هناك بعض الكتابات كان يوزع مخدرات محظورة من خلال استخدام البت
كوينمن خلال استخدام البت كوين حاليا في إيران لشراء السلع من الخارج وتحويل
النقود من إيران إلى الخارج، وهي العمليات التي من المستحيل أن تتم من.خلال
استخدام الريال الإيراني
كذلك فإنه اكتشفت لجنة
الأوراق المالية أن شخصا في تكساس يطبق مخطط بونزي من خلال عمليات البت كوين،حيث
تمكن أحد النصابين من جمع نحو 5.4 مليون دولار من مستثمرين في البت كوين، ثم
استخدم جانبا منها لنفقاته الشخصية، وغطى تلك
المسحوبات عن طريق إقناع مستثمرين جدد بالاستثمار لديه، وقد حذرت لجنة الأوراق
المالية من أن العملات الافتراضية يمكن أن تؤدي إلى.مزيد من عمليات النصب
والاحتيال
من المخاطر المصاحبة
لاستخدام النقود الافتراضية هي أن قيمتها يمكن أن تتقلب بصورة شديدة، بصفة خاصة
أنها لا يتم ربطها بسلعة مثل الذهب أو بعملة حقيقية مثل الدولار، وهو ما يعرض
حائزي هذه العملة لخسائر ناجمة عن تراجع قيمتها. التقلب الشديد في قيمة البت كوين
أما الخطورة الحقيقية
التي تمثلها مثل هذه النقود للسلطات النقدية فتتمثل في أنها ربما تمثل تهديدا
للاستقرار النقدي في الدول التي ينتشرفيها استخدامها، فعندما تزداد الكميات المستخدمة
من البت كوين فإن ذلك يعني أن عرض النقود لم يعد تحت سيطرة السلطات النقدية كإحدى
وسائل الاستقرار الاقتصادي الكلي، بالطبع بالنظر إلى الحد الأقصى الموضوع على
عمليات تعدين البت كوين الذي يساوي 21 ملياردولار، فإن الكميات المتداولة منها
مهما بلغ سعرها ستظل تمثل نسبة ضئيلة من عرض النقود، غير أن نجاح البت كوين قد
يسهل ظهور عملات افتراضية أخرى منافسة أسهل في الاستخدام وأعلى في القيمة، حيث
يتمكن المستخدم من إصدار أي كمية منها، الأمر الذي يجعل التحكم في عرض النقود من جانب
السلطات النقدية الوطنية أمرا صعبا
أن مستقبل هذه النقود
ما زال مشكوكا فيه، فمن الممكن أن تتعرض هذه النقود لفقاعة نتيجة تكثيف عمليات
المضاربة فيها،ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى انهيار الثقة بها ومن ثم انهيار الطلب
عليها، خصوصا أنه ليس هناك أي سند قانوني يدعمها، فالنقود العاديةتحمل قوة إبراء
للذمة تنبع من القانون الذي تصدر بمقتضاه، الذي يحمي النقود ويضمن استمرار التعامل
بل يلزم المقيمين داخل حدود الدولة.باستخدامها، وهي خصائص لا تتوافر للنقود
الافتراضية
لم توجد التشريعات الا
لغرض الحماية من الممارسات المسيئة، كما وتساهم التشريعات في وضع معايير السلوك
المقبولة. فالانحراف عنالتشريعات يعني الانحراف عن السلوك المقبول، وكلما زاد
الانحراف عن التشريع، زاد وصم المنحرف بما هو اهل لانحرافه، ليبلغ ذروته بالوصم
بالجريمة. وحين يتعلق الامر بالأموال فالمسألة تأخذ منحى اكثر جدية، لأن الانحراف
عن التشريعات المالية للسلطات يأتي بانعكاس سلبي على الاقتصاد ككل، وهذا يتضح جليا
حين الإمعان في سلسلة الأزمات الاقتصادية التي تكون شرارتها الأولى بسبب الانحراف
عن نص وروح التشريعات من قبل المجرمين. ومصطلح (المال) يطلق على كل شيء ذي قيمة
مقبولة وقابلة للتداول بيعا وشراء. وتاريخيا وعلى مر
التاريخ البشري (سابقا)
كان المال شيئا ملموسا يمكن رؤيته ولمسه وتوصيفه وتعريفه، كالذهب والفضة والمعادن
بصفة عامة والعقاروالمنتجات والاعمال الفنية وغيرها مما يقبل بيعا وشراء. الا ان
التقدم التقني والالكتروني غير هذه المعادلة المتعارف عليها، وأصبح ما لايمكن وصفه
وتقديره بل وما لا يعرف بدايته ومنشؤه مالا يعد مقبولا كأداة للشراء والبيع وحتى
الادخار والاستثمار. وهذه حال العملات الافتراضية التي يأتي البتكوين في مقدمتها.
فالبتكوين كمثال، ليس سوى رقم، ينتج عن معادلة لوغارتمية معقدة، وتكمن قيمتها في
مدى قبول الناس بها، فلا هي تعتمد على شيء ذي قيمة اقتصادية ولا هي تستند لأي
معيار غير قوى العرض والطلب
انقسمت دول العالم حيال
العملات الافتراضية الى ثلاثة اقسام. قسم يمنع تداول العملات الافتراضية كليا
كأداة للتداول، ويجرم القانون فيهاالتعامل مع العملة الافتراضية تحت مسوغات
ومسببات قانونية متعددة. ويمكن فهم هذا الموقف بسبب غموض البداية وانعدام
القيمةالاقتصادية والخوف من انهيار العملة الافتراضية في اي لحظة. ولعل اشهر الدول
الاوربية التي تمنع تداول العملات الافتراضية ايسلندا، فعلى الرغم من تعدد الاصوات
المطالبة بقبول العملات الافتراضية الا ان موقف السلطات المالية متشدد حيال القبول
بها كأداة للتداول التجاري.
وهناك دول تمنع المصارف
من التعامل بها والقبول بها كعملة، الا انها تسمح بتداول مواطنيها بها (تحت
مسؤوليتهم الشخصية)، ولعل الصين اشهر الدول التي تقع في هذا المحور. ويمكن تبرير
موقف السلطات الصينية هذا كنتيجة لاتساع دائرة مستخدمي العملات الافتراضية في الصين،
الا ان السلطات آثرت التنصل من مسؤولية الحماية الى حين استقرار المستوى التشريعي
الدولي للعملات الافتراضية، وحينها يمكن للدولة ان تتبنى النماذج التشريعية الأكثر
ملاءمة لوضعها. وهناك الدول التي تسمح بالتعامل بالعملات الافتراضية دون قيود (الى
الآن)، ويأتي في مقدمتها الولايات المتحدة
الأمريكية. الا ان سلطات المال في نيويورك تعمل على وضع منظومة تشريعات متكاملة قد
تطبق قبل نهاية عامنا هذا. الا ان حاكم سلطة مال نيويورك المالي بنجامين لويسكي
ذكر ان التشريعات لن تشمل من يعملون على حل اللوغاريتمات الرياضية التي توجد
العملات الافتراضية، بل ستشمل مراكز حفظ وتداول العملات الافتراضية هذه. فالمشرعون
في نيويورك يحاولون تفادي اي اتهام بعرقلة حرية الممارسة والتطوير والابداع. فعلى
أرض الواقع العملات الافتراضية ليست سوى نتائج معادلات لوغارتمية معقدة، وحل المعادلات
الرياضية ممارسة شخصية لا يحق لاحد تشريعها ومنعها تحت اي مسوغ مقبول. وحتى بيع
نتائج الحلول هذه ممارسة شخصية لمن
سيشتري هذا الحل. الا
ان التشريعات ستفرض رقابة على تحركات هذا الرقم (الحل)، بما يضمن تعقب حركته،
خصوصا انه ثبت استخدام هذاالرقم او الحل، والذي تحول بقدرة قادر الى عملة مقبولة
للتداول، في عمليات تجارة المخدرات والأسلحة في الولايات المتحدة ذاتها. بل ان بعض
التقارير تشير الى ان 80 % من استخداماتها غير قانونية. بنجامين لوينسكي تحدث في
احد المؤتمرات القانونية بما مفاده ان تشريعات مراكز تداول العملات الافتراضية
ستكون في نفس مستوى جودة وتفاصيل التشريعات المصرفية، وهذا يضمن تعقب حركة التداول
وفي.نفس الوقت لا يعيق حركة التطوير او الممارسة الشخصية للافراد، فالهدف منع
الاستخدام غير القانوني لهذه العملات رغم عدم وجود تاريخ مسجل وموثق لكيفية نشأة
وانتشار كثير من العملات الافتراضية، وعلى رأسها البتكوين، الا ان انتشارها وبعض
مميزاتها(كعدم القدرة على التزوير)، جعل منها واقعا تقبل به اكبر اقتصادات العالم.
شخصيا أرى ان العملات الافتراضية ليس الا مشروع كارثة مالية جديدة، ومجرد القبول
برقم كعملة للتداول لانه مقبول لدى فئة معينة من الناس، وان كثروا، مهزلة مالية
بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.