لم يعد
الأمر سرا أن الصيام هو أحد أهم سبل تنشيط مناعة الجسم وبالتالي أصبح معروفا لدى
الكل أن الصيام بصفة عامة والصيام المتقطع بصفة خاصة هو من أهم وسائل مكافحة
الأمراض المختلفة وخاصة الأمراض ذات الطابع المناعي ومنها مرض السكري. وسنتحدث هنا
عن دور الصيام في تعزيز المناعة وتأثيره الإيجابي المباشر وغير المباشر على مرض
السكري وبعض الأمراض المناعية الأخرى.
ومن الدراسات الهامة في هذا المجال هو ما أوضحته
دراسة أمريكية أشرف عليها مختصون من جامعة جنوب كاليفورنيا الواقعة في مدينة لوس
أنجيلوس، بأن الصيام لساعات طويلة يجدد نشاط جهاز المناعة في الجسم ويعزز من
فعاليته ويقويه أيضا. وبيّنت هذه الدراسة الحديثة نوعا ما والتي كان موضوع بحثها
الرئيس طرق تجديد الخلايا الجذعية للمصابين بالسرطان بعد الجلسات العلاجية، بأن
الصوم هو من أهم الوسائل للحصول على هذه النتيجة. وإن كانت هذه الدراسة تتحدث عن
مرض السرطان على وجه الخصوص، إلا أن لب الدراسة أن الخلايا الجذعية يمكن تجديدها
وتنشيطها وهو محور البحوث هذه الأيام عن مرض السكري وعلاجه عبر الخلايا الجذعية
وتحويرها وتجديدها.
وجاء في هذه الدراسة أن جهاز المناعة في الإنسان
عند الصوم يتم تحفيزه لإنتاج خلايا جديدة بدلا من تلك الخلايا المصابة بالشيخوخة
حيث يحصل ذلك نتيجة لدخول الجسم في حالة الجوع الشديد وعندها يلجأ لتوفير الطاقة
بعدة وسائل ومنها التخلص من الخلايا الميتة أو التالفة والتي لا يحتاجها الجسم.
وأوضحت الدراسة أن هذه الحالة وهي حالة الصوم والتي يدخل فيها الجسم وكأنها مرحلة
إنقاذ مهمة وصيانة دورية ضرورية تعيد ضبط معاييره وتجدد المستهلك من الخلايا
وتتخلص من غير النافع فيه. وقد تكون الخلايا البنكرياسية لدى مريض السكري خلايا
تالفة وهي من الخلايا المحتاجة للتجديد والتبديل وعند الصوم مثلا يتم التخلص من كل
ما هو تالف أو شبة تالف وتحفيز الجسم على إنتاج خلايا بنكرياسية جديدة قادرة ولو
جزئيا على المساعدة في إنتاج كم جديد من الإنسولين.
ومن الفوائد التي نتجت عن الصيام أيضاً كما ظهر
في هذه الدراسة أن مستويات الأنزيمات والهرمونات والدهون والسكريات الضارة
والنافعة في الجسم يتم موازنتها بشكل عام وإعادتها لمستواها الطبيعي مما ينتج عنه
وقاية الجسم من الإصابة ببعض الأمراض الحاصلة من التبعات السيئة لذلك وحمايته من
الآثار المستقبلية المضاعفة لهذا الأمر. ففي هذه الدراسة إشارة إلى أن المعرضين
للإصابة بالأمراض المناعية مثل مرض السكري وغيره، قد يكون الصوم وقاية لهم من هذه
الأمراض وأن المصابين بمرض السكري قد يكون الصوم فرصة لهم للتخلص من أثار
المضاعفات أو الوقاية من هذه المضاعفات عبر تجديد الهرمونات والإنزيمات
والمستقبلات الهرمونية والخلايا.
وبحسب ما ورد في النتائج كذلك فإن الصيام بشكل
عام ولفترة يجب أن تزيد على ثلاثة أيام متواصلة على الأقل وهو نافع للغاية لمرضى
السرطان بالذات والأمراض المناعية الأخرى حيث إن ذلك يحد من تضخم الخلايا
السرطانية المكونة للأورام ويزيد من عدد كريات الدم البيضاء التي تعتبر أساس جهاز المناعة
وزيادة قوة مناعة الجسم للأمراض جميعها.
ومن الدراسات في هذا المجال هو ما أكدته دراسة
مصرية أجريت مؤخرا أن الصيام يرفع كفاءة الجهاز المناعي للجسم عن طريق رفعه كفاءة
البروتينات المناعية. حيث ذكر المركز القومي للبحوث أن الصيام يساعد على التخسيس
وضبط وزن الجسم واستهلاك دهون الكبد التي تعوق الهضم. وأشار الى أن ذلك كله يقي
الجسم من السموم المتبقية في خلاياه والتي يطردها الكبد طوال العام بقدر استطاعته
ثم يقوم الجسم بتخزين السموم المتبقية تحت الجلد حتى تخرج في نهاية الأمر مع العرق
والبول اما الكسالى فإنهم محرومون من هذه الفائدة كما انهم معرضون لزيادة الوزن في
رمضان.
ونتيجة لهذه الدراسات المتعددة، فقد زاد اهتمام
الأوساط الطبية مؤخرا بجهاز المناعة، اعتمادا على فرضية علمية مفادها أن كثيرا من
الأمراض يمكن الوقاية منها، بل وسرعة الشفاء منها، إذا قويت مناعة الجسم. ولذلك،
أُجريت العديد من الأبحاث لمعرفة العوامل التي تزيد من قوة مناعة الجسم، كما أهتم
الكثير من الناس في محاولة زيادة مناعة الجسم أيضا وبعض هذه الدراسات تمركز حولَ
دور الفيتامينات والمعادن في تقوية المناعة، وبعضها اهتم بالنشاط واللياقة البدنية
والرياضة، بينما أهتم بعضها بالأغذية المختلفة، كما أن بعضها اهتم وركز على
الناحية النفسية وأثرها في مناعة الجسم، وبدأ الاهتمام أيضا بدور القوَة الروحية
في تقوية المناعة ومقاومة الأمراض. ولا تزال الأولية تشير بوضوح إلى دور الصيام في
تقوية المناعة.
وقد أُجريت بعض الدراسات حولَ تأثير الصيام في
كريَّات الدم البيضاء، وهي من أهم مؤشرات مستوى المناعة في الجسم، فكانت النتائج
متفاوتة، ففي بعض هذه الدراسات، زادت عدد الخلايا اللِّمفاوية، بينما لم يكن
للصيام أي تأثير إيجابي في دراسات أخرى. وهذا الاختلاف في النتائج بين البحوث يعني
لدى الأطباء أن الحاجةَ باقية لإجراء مزيد من الدراسات المعنية.
إذن وبالنظر لما تم ذكره في الأعلى، فإن كل
وسيلة تزيد من مناعة جسم الإنسان هي وسيلة للوقاية من مرض السكري وهو أحد أهم
الأمراض المناعية أو الوقاية من مضاعفاته وتشمل هذه الوسائل الصيام عن الطعام
وممارسة الرياضة والحمية الغذائية وإنقاص الوزن أو المحافظة عليه أو الاهتمام
بالتغذية السليمة أو الاهتمام بتناول المعادن والفيتامينات المختلفة أو الاسترخاء
البدني أو النفسي أو البعد عن التوتر وغيره من الوسائل المتعددة التي تعزز
المناعة.
ومن تأثيرات الصيام الإيجابية والتي لها تأثير
على الأمراض المناعية الأخرى غير مرض السكري هو تأثيره على الأمراض الروماتيزمية
أو ما يسمى بالأراض الرثوية وهي تتشارك مع مرض السكري في كونها أمراض مناعية أيضا.
فعند اتباع نظام غذائي متوازن بين فترات الصيام يساعد ذلك على تعزيز الجهاز
المناعي وإزالة سموم الجسم وخفض تخزين الدهون، وعند تناول الفواكه للإفطار، فهذا
يساعد على تعزيز المحتوى الغذائي للجسم من الفيتامينات والمعادن. كما أن الصيام
يخفف العبء على جهاز الدوران، وتهبط نسبة حمض البول في الدم أثناء الصيام، فيقي من
داء النقرس وغيرها، كما أنه فرصة لإزالة أسباب كثيرة من العلل والأمراض عند كثير
من الناس، خصوصا الأمراض الروماتيزمية، وقد أثبتت ذلك عدة أبحاث في مجلات طبية في
مختلف أنحاء العالم عن فوائد الصيام في علاج بعض أمراض الروماتيزم، وعلى سبيل
المثال، وجد أنه بعد الصيام تحسنا ملحوظا في التيبس الصباحي والألم والانتفاخ
المفصلي وانخفاض سرعة التثقل، كما أن الصيام يساعد على التمتع بحياة أطول وأكثر
صحة لدوره في تحسين جهاز المناعة وطاقة الجسم والقدرة على التركيز، وأثبتت عدة
أبحاث نشرتها مجلات طبية في مختلف أنحاء العالم عن فوائد الصيام في علاج التهاب
المفاصل الروماتويد وذلك بمقارنة بعض الشكاوى والعلامات والفحوص المخبرية قبل وبعد
الصيام. كما أن الصيام يؤدي الى زيادة تركيز مادة الأندورفين في الدم التي تعرف
بدورها الفعال في تخفيف الألم مما يؤدي إلى انخفاض ألم المفاصل وازدياد نسبة
الكورتيزول بدرجة معتدلة في الدم والمعروفة بخاصيتها المضادة للالتهاب.
كما أن للصوم دور مباشر على الأمراض المصاحبة
لمرض السكري وهي أمراض الضغط وزيادة الكلستيرول وزيادة الوزن. أن الصوم يعتبر
علاجا شافيا لكثير من أمراض العصر المتنامية فهو يشكل أحد العلاجات الطبيعية لخفض
مستويات ضغط الدم، حيث يساعد على خفض مخاطر الإصابة بتصلب الشرايين. في أثناء
الصيام يتم حرق الدهون وتكسير الجلوكوز لإنتاج الطاقة اللازمة للجسم، كما تنخفض
معدلات التمثيل الغذائي، تنخفض معدلات الهرمونات كالأدرينالين، مما يساعد على خفض
مستويات ضغط الدم، كما يحفز الصيام خسارة الوزن بسرعة، حيث يعمل الصيام على منع
تخزين الدهون في الجسم. وقد ثبت لكثير من الأطباء الذين يعملون في البلاد
الإسلامية المختلفة أن عدد مراجعي العيادات الخاصة والعامة وكذلك المستشفيات
والمستوصفات يقل في رمضان من كل عام إلا من بعض الناس المفرطين في الطعام الذين لم
يستوعبوا حكمة التشريع من الصيام.
كشفت نتائج دراسة طبية
أن الصيام لفترات طويلة من الوقت قد يؤدي إلى تجديد الخلايا الجذعية والخلايا
المناعية في الجسم، ويساعد كذلك في تطهير الخلايا القديمة التالفة.
وتم إجراء الدراسة في جامعة جنوب كاليفورنيا
الأميركية، وتعد أول دراسة تُظهر أن التدخلات الطبيعية يمكن أن تجدد نظام الخلايا
الجذعية في الجسم.
وبينت الدراسة التي تمت على الحيوانات وبشكل
جزئي على البشر، أن الصيام لفترات طويلة يعمل على تحويل الخلايا الجذعية في جهاز
المناعة من حالة السبات إلى حالة نشطة لتقوم بعملية تجديد ذاتي، وعند التوقف عن
تناول الطعام يقوم الجسم باستهلاك الجلوكوز والدهون المخزنة مما يساعد على تدوير
الخلايا. ويقصد العلماء بالفترات الطويلة من الصيام لكبار السن ما بين يومين و4
أيام بشكل متكرر على مدار 6 أشهر، حيث تبين أن ذلك يمكن من تجديد الخلايا المناعية
التالفة لدى كبار السن ونمو خلايا جديدة.
ويعتقد فريق البحث بقيادة الدكتور لونقو أن هذه
النتائج يمكن أن تفيد من يعانون من تلف الجهاز المناعي بسبب تلقي العلاج الكيماوي
للأورام، وفي بعض المسنين الذين تضعف المناعة لديهم بسبب الشيخوخة، ما يجعلهم أكثر
عرضة للإصابة