أ- تأثيرات الصوم المتقطع
على حيوانات التجارب:
وبسبب التأثيرات الصحية للصوم، ظهر في الغرب ما
يعرف بالصوم العلاجي المعدل، وهو باختصار تقليل في السعرات الحرارية المتناولة إلى
حوالي 800 سعر حراري لعدة أيام مع شرب 2-3 ليترات من السوائل يوميا وبعد ذلك إدخال
تدريجي لنظام غذائي محدد تحت إشراف طبي.
والصوم الإسلامي في رمضان هو نوع مميز من الصيام
يعرف علميا بالصوم المتقطع لأن ال24 ساعة تقسم تقريبا بين الصوم والإفطار. وهو
يختلف عن الصوم التجريبي الذي يمارس في بعض الأبحاث التي تدرس تأثير الصوم على
الصحة اختلافا كبيرا، فالصائم في رمضان يمتنع عن الأكل والشرب في ساعات النهار
فقط، ويتغير نظام أكله بشكل مفاجئ من النهار إلى الليل فتزداد عمليات الأيض والحرق
الحراري خلال الليل، كما أن صوم رمضان يمتد لمدة شهر مما قد ينتج عنه نوع من
التأقلم مع نظام الصوم. وقد تنبه العلماء منذ مدة طويلة لفوائد الصوم المتقطع.
فهناك الكثير من الأبحاث التي درست فوائد الصوم المتقطع على حيوانات التجارب
وحديثاً بدأنا وبدأ غيرنا من الباحثين في دراسة التأثيرات الصحية للصوم المتقطع
على الإنسان. وسأستعرض باختصار بعض الفوائد التي أظهرتها التجارب التي درست تأثير
الصوم المتقطع على حيوانات التجارب. فقد بينت الدراسات أن تطبيق الصوم المتقطع على
الفئران قلل من مستوى ضغط الدم وسرعة دقات القلب وتقلب دقات القلب وهو مقياس طبي
يعكس صحة القلب. كذلك أظهرت التجارب أن قدرة الأعصاب المركزية في الدماغ على
مقاومة السموم الخارجية وعوامل الأكسدة ومن ثم التحلل كانت أعلى عند الفئران التي
طبق عليها نظام الصوم المتقطع. وأظهرت تجارب أخرى على الفئران والقرود أن الصوم
المتقطع يزيد من حساسية الجسم للأنسولين. كما بينت دراسة قام بها المركز الوطني
للشيخوخة بالولايات المتحدة أن الصوم المتقطع وتقليل السعرات الحرارية المستهلكة
زاد من عمر القرود التي طبق عليها نظام الصوم المتقطع مقارنة بالقرود التي تناولت
الطعام متى شاءت.
ويعتقد الباحثون أن الصوم المتقطع وتقليل
السعرات الحرارية المستهلكة يسبب نوعا من الإجهاد الخفيف على خلايا الجهاز العصبي
والدماغ والقلب والجهاز الدوري، والتي بدورها تستجيب لهذاالإجهاد المعتدل من خلال
تعزيز قدرتها على مقاومة إجهاد أشد. فعلى سبيل المثال، أظهرت تجارب أخرى أن أدمغة
الفئران التي طبق عليها نظام الصوم المتقطع كانت أكثر مقاومة للتسمم الناتج عن
عوامل الأكسدة والسموم الناتجة عن عمليات الأيض والتمثيل الضوئي والسموم الخارجية.
ب- تأثير الصيام في رمضان:
أما بالنسبة للصوم في رمضان فإن الأبحاث ما زالت
محدودة والنتائج متفاوتة بين دراسات إيجابية واخرى سلبية لم تظهر فوائد واضحة.
والسبب في ذلك في رأيي يعود إلى أن نظام الصوم في حيوانات التجارب يختلف عن نمط
الصوم والحياة في رمضان. ففي حين يصاحب الصوم المتقطع عند الحيوانات نقص في
السعرات الحرارية المستهلكة خلال ال 24 ساعة، وكذلك انتظام في نظام النوم
والاستيقاظ والنشاط الحركي الجسدي، نجد أن الصوم خلال رمضان يصاحبه عادة إفراط في
الأكل وتناول السعرات الحرارية بكميات كبيرة جداً في الليل ونقص في التمارين
والنشاط الجسدي وتغير كبير في نمط النوم حيث يسود السهر ليلا والنوم نهارا، مما قد
يعاكس التأثيرات الحميدة للصوم المتقطع.
تأثير الصيام على المزاج والتركيز
سنلخص فيما يلي نتائج الأبحاث التي درست تأثير
الصوم بمختلف أنواعه (المتقطع والتجريبي المتواصل وليست مقصورة على الصوم الإسلامي
في شهر رمضان) على اضطرابات المزاج وهو مقصد جديد لم تتعرض له الأبحاث بإسهاب ولكن
النتائج الأولية تدل على أن الصوم قد يكون له أثر إيجابي على تحسين المزاج
واضطراباته.
تأثير الصيام على التركيز
في دراسة أجريناها في المركز الجامعي لطب وابحاث
النوم بجامعة الملك سعود ونشرت في مجلة Behav Brain Funct (أغسطس 2013) خضع عدد من
المتطوعين الأصحاء لعدد من اختبارات التركيز مثل سرعة ردة الفعل، واختبار جونز
للتركيز وسرعة وميض (رمش) العين (وهو أحد اختبارات الموضوعية لقياس زيادة النعاس
من دون نوم) قبل الصيام ومن ثم طلب منهم الصيام لمدة أسبوع في شعبان خارج رمضان
(حتى نسيطر على التغيرات في نمط الحياة التي تصاحب رمضان) وأعيدت كل القياسات،
وبعد ذلك صاموا رمضان وأعيدت القياسات خلال صيام رمضان. وخلال جميع مراحل البحث،
حصل المتطوعون على نفس ساعات النوم ونفس الغذاء ونفس كمية السعرات الحرارية ونفس
كمية التعرض للضوء. وأظهرت النتائج أن الصيام لا يقلل من التركيز أو سرعة ردة
الفعل ولا يسبب النعاس.
تأثير الصيام على الاكتئاب
وجد الكثير من الباحثين أن الصيام يزيد اليقظة
وشعور الشخص بالراحة والنشوة. وأظهرت نتائج الدراسات الأولية أن الصوم قد يحسن
النفسية ويقلل من الاكتئاب. فقد أظهرت دراسة أجريت على 52 شخصا مصابا بألم مزمن أن
الصيام التجريبي حسَّن كثيرا من أعراض الاكتئاب والتوتر عند 80% من المشاركين. وفي
دراسة قام بها باحثون خلال شهر رمضان على 25 صائماً مصابين باضطراب ثنائي القطب
وكانوا على عقار الثاليوم، أن الصيام حسن كثيرا من تأثير الصيام على تخفيف الألم
وتحسن المزاج
يؤثر الصوم على بعض النواقل العصبية في المخ.
فقد أظهرت الدراسات التي أجريت على فئران التجارب أن الصوم التجريبي يزيد من مستوى
التريبتوفان والسيروتونين في المخ وهما ناقلان عصبيان مهمان، ويعتقد الباحثون أن
زيادتهما قد تكون سببا لنقص الشعور بألم صداع الشقيقة مع الصيام. وفي دراسة
استكشافية أجريت عام 2006 أجريت على 55 شخصا حصلوا على غذاء يحتوي 300 سعر حراري
يوميا لمدة ثمانية أيام، وجد الباحثون تحسنا كبيرا في مزاج المشاركين بعد خمسة
ايام من الصيام. كما أظهرت بعض الدراسات تحسنا في النوم مع الصيام التجريبي.
ويعتقد أن الصيام يزيد إفراز مادة الإندورفين وهي بيبتايد أفيوني يعمل كناقل عصبي
في الدماغ. حيث وجدت الأبحاث زيادة في هذه المادة بعد 5-10 أيام من الصيام
التجريبي عند الإنسان. ووجدت دراسة زيادة كبيرة في هذه المواد الأفيونية في مخ
فئران التجارب تصل إلى خمسة اضعاف بعد 24-48 ساعة من الصيام. وهذا الناقل العصبي
يخفف الشعور بالألم ويحسن المزاج. كما وجدت أكثر من دراسة أن الصوم المتقطع مثل
صيام رمضان يزيد من إفراز مادة في الدماغ تعرف بالعامل العصبي المشتق من الدماغ(BDNF) والتي لها وظائف عدة
منها التحكم في مادة السيروتونين وتحسين القدرات الذهنية وزيادة مقاومة الدماغ
للهرم والتقدم في العمر. كما يعتقد أن زيادة مادة الكيتون في الجسم الناتجة عن
استهلاك دهون الجسم كمصدر للطاقة قد تكون أحد أسباب نقص الألم وتحسن المزاج خلال
الصوم التجريبي.
الأبحاث السابقة تظهر فرضيات جديدة لفوائد كبيرة
للصيام لم تدرس بشكل جيد خلال صيام شهر رمضان وهي تفتح آفاقا جديدة للباحثين
لدراسة هذه التغيرات خلال شهر رمضان. وختاماً، أنصح جميع الصائمين بالتقليل من
تناول السعرات الحرارية خلال ليل رمضان وتناول وجبات صحية متوازنة خلال شهر الصوم
والاستمرار في ممارسة الرياضة والحرص على الحصول على بعض ساعات النوم ليلاً حتى
تتخلص أجسامهم من السموم وتستفيد من الجانب الصحي للصوم.