الثلاثاء، مارس 31، 2009

هل للجينات دور فى الإصابه بالأورام السرطانيه ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
في الماضي كان أمل البقاء على قيد الحياة باذن الله عند انتقال سرطان الكلية الى أعضاء أخرى كالرئة والكبد والعظام والدماغ ضئيلا جداً حيث ان معظم المرضى يقضون نحبهم خلال حوالي 10الى 12شهراً وأقل من 5% يعيشون لمدة 5سنوات أو أكثر. وقد تكثفت الجهود الطيبة لاكتشاف علاج فعال لهذا السرطان المنتشر الذي لا يتجاوب مع العلاج الكيماوي او الاشعاعي. ومنذ عدة سنوات استعمل العلاج المناعي بعقار انترلوكين فئة Interleukin-2 2وبرهن على فعالية متواضعة مع استجابة الورم له كاملاً بنسبة 3% الى 5% وجزئياً بمعدل حوالي 15% ناهيك ان مضاعفات تلك المعالجة كانت خطيرة وأحياناً مميتة. وحاول بعض الاخصائيين استعمال الأنترفيرون Interferon وحده او مع مزجه بعقار انترلوكين بعد استئصال الكلية والورم ولكن بنتائج غير مرضية مما أحدث الإحباط للخبراء والمرضى أنفسهم لعدم قدرة الطب على مساعدتهم وشفائهم بعون الله سبحانه وتعالى من هذا السرطان الفتاك والذي يسبب الأعراض السريرية والآلام الشديدة والمنغصة لجودة حياتهم. خلل في وظيفة الجين ومنذ حوالي 12سنة اكتشف الباحثون في المعهد القومي للصحة الأمريكي أن من الأسباب الرئيسة للإصابة بهذا الورم خلل في وظيفة الجين المثبط للسرطان داخل الكلية يدعى VHL (Von Hippel Lindau) مع تأثيره المباشر على تكاثر الخلايا السرطانية وانتشارها عبر شرايين ذاتية تساعدها على النمو والانتقال خارج الكلية بواسطة بعض عوامل النمو. وقد فتح هذا الاكتشاف آفاقاً جديدة وبراقة في استعمال بعض المواد الكيميائية التي تثبط مفعول تلك العوامل لوضع حد لتكاثر الخلايا السرطانية وانتقالها. وقبل المباشرة في مناقشة فعالية بعض تلك الكيميائيات في معالجة السرطان الكلوي علينا أولاً شرح الآلية المرضية التي تساعده على النمو داخل خلية الكلية ليتسنى لقرائنا الأعزاء تفهم السبل العلاجية المستعملة حالياً. وكما ذكرنا سابقاً فإن اكتشاف الخلل الجيني الذي يصيب الجين المثبط VHL الذي يقوم عادة بوظيفة تنظيم امداد الخلايا بالدم والاوكسجين، أبرز سلسلة من الحوادث داخل الخلية الكلوية التي تساعد على نمو السرطان وأبرزها تنشيط العامل المستحث نتيجة نقص التأكسج فئة ألف واحد HIF-1 الذي يقع أيضاً تحت سيطرة عامل آخر يدعى mTOR الذي يقوم بالتحكم بدرجة نمو الخلايا بواسطة تنظيمه للمواد الغذائية التي تحتاجها. ومع زيادة انتاج العامل المستحث نتيجة نقص التأكسج HIF داخل الخلية تنشط بعض عوامل النمو التي تساعد الخلايا على التكاثر وانتاج الأوعية الذاتية للانتقال عبرها خارج الورم الكلوي. ونتيجة هذا الاكتشاف المذهل تركزت الجهود على اكتشاف مواد كيميائية تكبح نشاط عوامل النمو الاساسية كال EGFR وPDGFR وTGFX وVEGFلوضع حد لتكاثر الخلايا السرطانية ومنعها من الانتقال. وقد أظهرت الاختبارات العالمية الحديثة فعالية بعض المواد في القيام بهذا الدور الاساسي مما فتح أفقاً جديداً في معالجة السرطان الكلوي بنجاح. ففي سنة 2003قام الدكتور يانغ وفريقه في المعهد القومي الأمريكي للسرطان باختبار استعمل خلاله الضد لعامل النمو الذي يدعى Bevacizumab بيفاسيزوماب المثبط لعامل النمو الوعائي البطاني VEGF الذي يساعد السرطان الكلوي على انتاج شرايينه الخاصة للغذاء والانتشار وقابله مع الحبوب الكاذبة او البلاسيبو واظهرت النتائج تفوقه على البلاسيبو في تمديد مدة البقاء على قيد الحياة، بإذن الله، بدون تقدم السرطان الكلوي بحوالي 4اشهر للبيفاسيزوماب مقارنة مع 2.5شهر للبلاسيبو مما برهن لأول مرة ان استعمال ضد عامل النمو VEGF فعال في حالات سرطان الكلية . بناء على تلك النتائج المشجعة تم استعمال عقارين كيميائيين هما "الصورافينيف" و"الصونيتينب" التي تثبط عدة عوامل النمو في الخلية التابعة لكيناز النيروزين Tyrosine Kinases وأبرزها مستقبلات VEGF وPDGFR وRET وc-Kit والتي برهنت في الاختبارات الحيوانية عن فعالية ضد خلايا الكلية السرطانية. وفي اختبار قام به الدكتور اسكودير وزملاؤه على 903مرضى مصابين بسرطان الكلية النقيلي الذي لم يتجاوب للمعالجة المناعية بالانترولكين فئة 2والذين عولجوا بأقراص الصورافينب أظهرت نتائجه تفوق هذا العقار على البلاسيبو او الحبوب الكاذبة مع تحديد البقاء على قيد الحياة بإذن الله بدون تقدم الورم من 2.8شهراً للحبوب الكاذبة الى 5.5شهراً للصونيتينب مع استجابة جزئية بنسبة 10% للعقار و2% للبلاسيبو. ومن ابرز الأعراض الجانبية لتلك المعالجة الكيميائية الاسهال والطفح الجلدي والارهاق وفرط ارتفاع الضغط الدموي بنسبة 4% و زيادة ضربات القلب بنسبة 3%. ورغم ان مدة البقاء على قيد الحياة عموماً كانت متماثلة بين الصورافينيب والحبوب الكاذبة إلا أن العقار لم يمدد البقاء على قيد الحياة فحسب بل ساهم في تحسين الآلام والأعراض السريرية وجودة الحياة وتم الموافقة عليه من قبل مركز التغذية والأدوية الفيديرالي الأمريكي FDA. يتحكم ببعض عوامل النمو ومع نجاح تلك المعالجة الكيميائية تم استعمال عقار مماثل يدعى صونيتينب Sunitinib المثبط للكيناز اللتيروزين الذي يتحكم ببعض عوامل النمو مثل VEGF وPDGFR والأنكوجين c-Kit. وبرهن هذا العقار الذي يؤخذ عبر الفم خلال عدة اختبارات عن فعالية عالية ضد سرطان الكلية مع تجاوب جزئي لهذا الورم بنسبة 34% الى 40% وتمديد مدة البقاء على قيد الحياة بدون تقدم من 5اشهر للمرضى الذين عولجوا مناعياً بالانترفيرون الى 11شهراً للذين استعملوا الصونيتينب. وشملت اعراضه الجانبية الاسهال والتعب الجسدي ونقص في ضربات القلب. ورغم ان تلك المعالجة الكيميائية لم تبرهن حتى الآن قدرتها على تمديد فترة البقاء على قيد الحياة عموماً، باذن الله، إلا أن فعاليتها في وضع حد مؤقت لتقدم السرطان وتحسينها جودة الحياة والاعراض السريرية المنغصة دفع مركز الغذاء والأدوية الفيديرالي الأمريكية على الموافقة عليها في معالجة حالات السرطان الكلوي وأصبحت المعالجة الكيميائية بعقار الصونيتينب الوسيلة الأولية والاساسية لتلك الحالات. وقد تم ايضاً اكتشاف عقاقير أخرى كالأكسيتينيب axitinib والبابوزانيب Papozanib التي أعطت نتائج مشجعة في معالجة في معالجة تلك الحالات. واما الفئة الثانية من العقاقير فهي التي تكبح تكاثر الخلايا السرطانية عبر سبيل mTOR الذي يحثها بواسطة تنشيطه بعض عوامل النمو داخل الخلايا وأبرزها عقار تمسبوروليمس Temsirolimus الذي يعطى وريديا كل اسبوع خصوصاً في حالات سرطان الكلية المتقدمة والشديدة الخبث والمنتشرة الى عدة اعضاء. وفي اختبار على 626مريضاً عولجوا بهذا العقار او بالمعالجة المناعية بالانترفيرون أظهرت النتائج نجاح التميرلولمسن في البقاء على قيد الحياة بعون الله عز وجل بنسبة حوالي 49% مقارنة بالانترفيرون. واما أعراضه الجانبية فقد شملت التهاب الفم والطفح الجلدي والغثيان والاسهال والتقيؤ و زيادة مستوى السكر والدهون بالدم. وقد نال هذا العقار موافقة مركز الغذاء والأدوية الفيدرالي الأمريكي FDA سنة 2007ويعتبر الآن العلاج الأولي للسرطان الكلوي المنتشر والشديد الخبث.