الأحد، نوفمبر 09، 2014

الخلافه

من مسائل الإجماع التي أجمع عليها الصحابة ومن تبعهم من أهل السنة والجماعة أن الخلافة في قريش ولا تكون إلا في قريش.
ففي يوم السقيفة في اجتماع الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أقروا أن الخلافة في قريش وبناء على ذلك لم يختاروا أميراً للأنصار وأميراً للمهاجرين ووقع إجماعهم على سيدنا أبو بكر الصديق القرشي ليكون خليفة لكلاهما.
واستدلوا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام مسلم في ...
صحيحه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم".
قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم عند هذا الحديث: "هذا الحديث وأشباهه دليل ظاهر على أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة، فكذلك من بعدهم".
وفي رواية الإمام البخاري عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان".
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخلافة في قريش".
وهذا أصل جوهري بين أهل السنة وغيرهم من الفرق خصوصاً الخوارج، حيث أن الخوارج فارقوا هذا الإجماع ومن أصول مذهبهم أن الخلافة عندهم تنعقد لأي أحد حتى لو كان غير عربياً وحتى لو كان عبداً مملوكاً! وذلك حتى يحللوا لأنفسهم السيطرة على حكم المسلمين بغير حق.
قال القاضي: اشتراط كونه قرشيا هو مذهب العلماء كافة، وقد احتج به أبو بكر وعمر - رضي الله عنهم - على الأنصار يوم السقيفة، فلم ينكره أحد ، قال القاضي: وقد عدها العلماء في مسائل الإجماع، ولم ينقل عن أحد من السلف فيها قول ولا فعل يخالف ما ذكرنا، وكذلك من بعدهم في جميع الأعصار، قال: ولا اعتداد بقول النظام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع أنه يجوز كونه من غير قريش، ولا بسخافة ضرار بن عمرو في قوله: إن غير القريشي من النبط وغيرهم يقدم على القرشي لهوان خلعه إن عرض منه أمر، وهذا الذي قاله من باطل القول وزخرفه مع ما هو عليه من مخالفة إجماع المسلمين.
وحين تقرأ في أي من كتب الفرق والملل والنحل تجد المصنف يذكر دوماً هذا الأصل كأحد الفروق بين أهل السنة وغيرهم.
ومن المعلوم عند أهل العلم وطلبته أن الإجماع لا يُنقض بمثله، بمعنى لو حدث إجماع في عهد الصحابة والأولين من السلف الصالح على مسألة، وحدث إجماع في عهد لاحق على حكم آخر في نفس المسألة فإن الحكم اللاحق باطل لا يكون الإجماع فيه إجماعاً، لأن الإجماع إذا حدث عند الأولين لا يُنقض بمثله عند المتأخرين.
واحتج الخوارج على صحة ما ذهبوا إليه بقوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وقول رسول الله: "لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى".
لكن احتجاجهم ليس في محله، لأن النبي اختص بني شيبة بمفاتيح الكعبة وقال لا يأخذها منهم إلا ظالم، وهي حق لهم حتى قيام الساعة، وهذه من الأفضال والكرامات التي يمنحها الله لمن شاء من عباده في الدنيا وليس فيها نقض لكون الأفضلية بالتقوى لأن أفضلية التقوى المقصود بها في الحساب الأخروي فلا نسب ولا مال ولا جاه ينفع حينئذ بل فقط العمل الصالح والتقوى والقلب السليم.
أما الأفضلية في الدنيا فنجدها حولنا في كل مكان، فيمن منحه الله الصحة أو الجمال أو الجاه أو العلم أو المال أو الأولاد أو العمل أو الأهل أو الحسب والنسب وغير ذلك من متاع الحياة الدنيا مما يفضل فيه الناس بعضهم على بعض، ويقول الله تعالى: "ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم"، والحكمة في ذلك حتى يختبر الله الناس من يحمد ويشكر على هذه النعم .. ومن يحسد ويسخط ويكفر صاحب النعمة .. ومن تلهيه هذه الملذات والنعم عن ذكر الله .. ومن يتكبر ويصيبه الغرور بهذا الرزق .. ومن يستخدم هذه النعم في معصية الله ومن يستخدمها في طاعته .. ومن يرضى ويُسلم ويخضع لقضاء الله وحكمته وقدره .. ومن يعلم أن كل رزقه من عند الله وأنه قادر على المنع كما هو قادر على العطاء .. ومن يضمر الخير لعباد الله ويقر بأفضلية البعض على البعض .. ومن يضمر الشر والبغض ويرى نفسه أفضل من الجميع وأحق منهم بالخير .. حتى يكون كل شخص شاهداً على حال نفسه يوم العرض على الرحمن.
ومن هذا الباب قوله تعالى: "ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى".
وفي متون العقيدة أيضاً ستجد دوماً أن أهل السنة يذكرون في باب الإمامة إجماع المسلمين على أن الخلافة في قريش للتمييز بينهم وبين الخوارج وغيرهم من الفرق التي خالفت هذا الأصل، ففي متن العقيدة الصلاحية يقول الناظم الفقيه البرمكي في باب الإمامة:
العادِلُ السَّويُّ في الصفاتِ ... السالِمُ الذاتِ منَ الآفاتِ
القُرَشيُّ المسلمُ الأريبُ ... البالغُ المجتهدُ اللبيبُ
هُوَ الإمامُ الواجبُ المُبايعَةْ ... والحقُّ في التقليدِ مَعْ مَنْ بايعَهْ
فهذِهِ شرائطُ الإمامةْ ... سبعٌ تدبَّرْها تكُنْ علاَّمَةْ
وقد ذكر المستشرق سكاون بلنت في كتابه مستقبل الإسلام هذا الأصل ونقله عن المسلمين وقال لما أتى العثماني سليم الأول لينصب نفسه خليفة للمسلمين عارض المسلمون ذلك بشدة عوامهم وفقهائهم وحدث اختلاف شديد لأنه ليس قرشياً بل عثماني ولا تصح خلافته، وذلك لأن سلاطين الأتراك كانوا يلقبون أنفسهم "خليفة المسلمين"، وجوز فقهاء الحنفية أن يكون سليم الأول خليفة لأن الأحناف تساهلوا في هذا الأصل ولأن الدولة العثمانية كانت على المذهب الحنفي، بينما عارض الشافعية والمالكية ذلك بشدة في ذلك الوقت، ورفضوا منح ملوك الدولة العثمانية لقب الخليفة بل بعضهم رفض خلافتهم بالقلب دون الخروج عليهم.
فحتى المستشرقين يعرفون هذا الأصل ويعرفون ديننا، ومما يدل على أن المخابرات الأمريكية تتلاعب بالعرب والمسلمين ويعرفون ديننا أكثر من كثير منا، أنهم أتوا بمجهول سجن في جوانتانامو وجندته المخابرات الأمريكية ثم قالوا عليه أنه قرشي!! حتى يخدعوا جهال المسلمين بأنه هو الخليفة المزعوم، فيقتل ومن تبعه من السفهاء المسلمين ويدمر بلادهم. عن
#داعش نتحدث.
وعلم الأنساب علم عريق ليس كل من هب ودب ينسب لنفسه لعائلة ما، فأنساب العائلات والقبائل العربية محفوظ وهناك خبراء قائمين على حفظ هذا العلم حتى يومنا هذا، وقد قالوا أن الماريونيت الذي صنعته أمريكا ليس بقرشي.
ولم تنعقد خلافة المسلمين من الشرق للغرب لأحد غير قرشياً وهذا من معجزات ودلائل النبوة.
ونوضح هنا مسألة مهمة حتى لا يحدث لبس، أننا نذكر هذا الأصل من شروط من يكون خليفة لأمة المسلمين وينصب خليفة عليهم كلهم، والأمر يختلف في حال حكام المسلمين وملوكهم في كل قطر الذين لم ينسبوا الخلافة لأنفسهم ولم تنعقد الإمامة العامة من كل المسلمين لهم، فحكام المسلمين وملوكهم يجوز أن يكونوا من غير قريش،
لكن الخلافة وانعقاد الأمة كلها على خليفة واحد لا تتم إلا على قرشي وقد أثبت التاريخ ذلك، ولا يملك هذا الأمر في آخر الزمان إلا قرشي من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كما جاءت بذلك الأخبار المتواترة.
وصلى الله على سيدنا النبي وصحبه وآله وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.