الأربعاء، فبراير 17، 2010

تواصل الأجيال

في حياة كلٍ منا ثلاثة أجيال: الآباء الذين صنعوا الحاضر بما قاموا به في الماضي، ونحن الذين نعمل في الحاضر من أجل صناعة المستقبل، والأبناء الذين يستعدون ويتأهلون لحمل راية هذا المستقبل إلى آفاق جديدة. المطلوب بين هذه الأجيال الثلاثة هو التواصل، تواصل الماضي والحاضر والمستقبل. إن حياتنا الجديدة في منازل مستقلة، بل ومتباعدة حجبت الكثير من هذا التواصل وأقامت الحواجز والعوازل بين الأجيال، ولعل الإنترنت والتلفزيون والمعطيات التقنية الحديثة قد أسهمت في تلك العزلة أيضاً.


بين الأجيال (الثلاثة) هناك خصائص متكاملة. الجيل الأكبر يملك الخبرة الإنسانية، وهي خبرة يحتاجها كل فرد، وهي صالحة لكل الأزمان؛ كما أن هذا الجيل قد يملك خبرات أخرى مختلفة، ناهيك عن امتلاك الكثير من وقت الفراغ. والجيل الأصغر يملك الطاقة التنفيذية والأفكار الجديدة والمتجددة ويتميز بالبراءة والانفتاح على المستقبل، ويملك أيضاً من وقت الفراغ أكثر مما يملك الجيل الوسط الذي ازدحمت أوقاته ولا يملك من وقت الفراغ، لكنه يملك التخطيط والقيادة و القدرة على التأثير في الجيلين متى استهدف ذلك، بل والتأثير على المجتمع بدرجات كبيرة ومتفاوتة.


إن القضايا المعرفية هي وسيلة أساسية من وسائل التواصل بين الأجيال، وهذه الوسيلة تعزز التقارب بينهم، وتزيد المودة وتزكي الرحمة، وتشجع الجيل الأصغر على خدمة الجيل الأكبر، بما لديه من طاقة ووقت فراغ. الجيل الأكبر، جيل يملك "معارف كامنة" ينبغي الاستفادة منها، كما تقول مبادئ "إدارة المعرفة". ولا يمكن استخراج هذه المعارف الكامنة إلا بالحوار والتفاعل والتواصل مع (أبناء - لا داعي لها) هذا الجيل. ولا شك أن هذا التواصل سيزيد الاهتمام بهم ويسعدهم ويجعلهم أكثر قدرة على التأثير في تنمية المُجتمع، من خلال تعزيز الاستفادة من خبراتهم.
ويحتاج التواصل بين الأجيال إلى أماكن للّقاء في مثل الأندية القائمة المتنوعة وتأسيس برامج فيها لتفعيل التواصل، أو نوادي جديدة تكرس لمثل هذا التواصل أو أي وسيلة أخرى تضمن حدوث تواصل الأجيال لتطوير المجتمع وترابط أجياله.
ولئن قصرنا في الماضي في حق من كان لهم فضل تنشئتنا وتحمل متطلباتنا، فلعلنا نتفادى هذا التقصير في المستقبل، ورحم الله كل فقيد أعطى ثم لم ينتظر إلا ثواب رب العالمين.
هل يعلم ابنك بحبك له ؟ كيف ؟
لأنك تنفق عليه وتلبي احتياجاته ؟
هل هذا يكفي لإيصال معنى الحب لأبنائنا ؟
إن كانت الإجابة بنعم فبئس الدلائل على وجود ذلك الحب أن نركن مشاعرنا للتعبير المادي ونحول الإحساس إلى نقود وجمادات ..
وإن كانت الإجابة بلا .. فنحن لازلنا نحتفظ بما لا يقدر بثمن ونسير باتجاه الرقي لنفوسنا البشرية المجبولة على الفعل والتفاعل.
لا فائدة من عطف أو حب لا يترجم إلى أفعال ولا خير في ود يبقى صامتاً لا يخرجه غير انتهاء الآجال .
اللمسة الحانية والتي يعتبرها اختصاصيو علم النفس العلاج السحري لأمراض نفسية وعضوية لا تعد ولا تحصى هي الوسيلة الأجدى والأنفع في ترجمة مشاعر الحب المختبئة والتي لا جدوى من اختبائها إلى أفعال ملموسة بإمكانها تغيير كل شيء .. كل شيء .. إلى الأفضل حتماً.
ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة ومن قرأ في هذا الجانب عن حياة محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء والمرسلين سيجد موسوعة كاملة في فن التعبير عن الحب والتلامس الحسي الذي كان يستخدمه عليه الصلاة والسلام مع زوجاته وبناته وأصحابه فكان حين تدخل ابنته فاطمة رضي الله عنها إلى مجلسه ينهض ويقبل يدها ويجلسها بجانبه ويصعد حفيداه الحسن والحسين على ظهره أثناء صلاته ويحملهما وهو يصلي ..
فمن منا اليوم يفعل ذلك مع أبنائه ؟
ومن المواقف مالا يحصى عن تواصله الحسي مع الآخرين عطفاً وحباً ووداً
لا تنتظروا فقد الأحباب لتشعروا بقيمتهم فالحياة قصيرة جداً وما يمنحه التعبير عن الحب من سعادة للمرسل والمستقبل على حد سواء شعور لا يعوضه أي نوع من الأفراح البشرية الأخرى ليس مع الأبناء فقط بل مع كل الأحباب