الثلاثاء، يونيو 09، 2009

جوجل سنترال العالم

ملايين الناس يستخدمون هذه الأيام محرك البحث الشهير "جوجل" للبحث عن احتياجاتهم على الإنترنت.. ورغم أنه ليس الوحيد على الشبكة إلا أنه تحول بالفعل إلى (سنترال العالم) الذي يستقبل القدر الأكبر من الطلبات والرغبات والوثائق ذات الاهتمامات المختلفة. وهذه الميزة حولت "جوجل" إلى أكبر جهاز تجسس في التاريخ وأعظم "ترمومتر" يقيس حالة العالم واهتمامات البشر وميول المستهلكين - كون عمليات البحث ذاتها تفضح اهتمامات الناس في كل منطقة .
ومثل معظم محركات البحث الأخرى ينشئ "جوجل" ملفا خاصا لكل مستخدم يحتفظ بالنتائج التي بحث عنها (خلال فترة تقدر ب 35عاما). وبهذه الطريقة يعلم أين سافرت قبل عشرة أعوام (من خلال بحثك عن الفنادق وخطوط الطيران) والبنوك التي تتعامل معها (من خلال دخولك على حساباتك الخاصة) واهتماماتك الشخصية (التي تبحث عنها دون علم زوجتك وأطفالك) بل ومتى كنت حاملاً في حال كنت امرأة (من خلال المنتديات الطبية والنسائية ذات العلاقة).
ومحركات البحث عموما لا تنكر حرصها على معرفة اهتمامات المستخدم بحجة أن هذا يساعدها على التجاوب مع رغباته المستقبلية وأقلمة نتائج البحث حسب ميوله الشخصية (وإن كان الأهم بالنسبة إليها إغراقه بالإعلانات التي تطابق اهتماماته البحثية)!
وفي المقابل تعد محركات البحث (منجم ذهب) بالنسبة للشركات التجارية وجامعي المعلومات الشخصية.. فالدخول المكثف إليها جعلها تعرف عن كل مواطن في العالم أكثر مما تعرفه الأجهزة الأمنية في البلد الذي يعيش فيه (لدرجة قد تلجأ إليها أجهزة المخابرات العالمية لرصد توجهات وميول المشتبه بهم).. بل يمكن القول إنه من خلال رصد الاهتمامات الفردية يتاح لمحركات البحث رصد اهتمامات وميول المجتمعات والشعوب نفسها؛ فهناك مثلا إحصائية تشير الى أن كلمة "جنس" هي أكثر كلمات البحث استعمالا في شمال أفريقيا في حين تأتي كلمة "أخبار" في المركز الأول في أمريكا و"أسهم" في الصين و"كرة قدم" في البرازيل.. وكما يمكن لمحركات البحث رصد اهتمامات الناس في نطاق جغرافي معين يمكنها أيضا رصد اهتماماتهم في نطاق زمني معلوم.. ففي أمريكا مثلا كثر البحث عن كلمة "القاعدة" و"طالبان" بعد تفجيرات 2001في حين تصدرت كلمة "انتخابات" و"أوباما" اهتمامات المستخدمين خلال الثلاثة أشهر الماضية.
وبوجه عام يمكن القول إنه كلما ارتفعت نسبة الدخول الى موقع جوجل دل ذلك على تعطش شعوب تلك المنطقة أو سكان ذلك البلد للمعلومات والمعارف الإلكترونية (وهو ما يظهر جليا في مركز الشركة الرئيسي في مونتن فيو بكاليفورنيا حيث توجد شاشة إلكترونية ضخمة توضح كثافة الدخول على الموقع في كل دولة على حده)!.
أتعلمون أين تكمن المفارقة: قبل 60عاما تقريبا كتب الروائي البريطاني جورج أوريل رواية سياسية بعنوان الأخ الأكبر تصور فيها مجتمعا بوليسيا يرصد تحركات وميول مواطنيه من خلال شاشات تلفزيون تترصد حركاتهم في البيوت والشوارع ومكاتب العمل.. ورغم أن فكرة الرواية بدت حينها خيالية ومبالغاً فيها (رغم ظهور الأنظمة الماركسية المتشددة في روسيا والصين وألمانيا الشرقية) إلا أنها بدأت تتبلور هذه الأيام من خلال شبكة عنكبوتية ضخمة تحيط بكرتنا الأرضية (تدعى إنترنت) وشاشات تلفزيونية نجلس أمامها طواعية في البيوت والشوارع ومكاتب العمل (تدعيى كمبيوتر)!!