الجمعة، يونيو 05، 2009

سرقة الأبحاث العلميه

حادثة حقيقية تروى دائما في المحافل الجامعية ويتندر بها المثقفون:
أستاذ جامعي مخضرم وشهير بأبحاثه ودراساته التي تملآ أرفف المكتبات، طلب اليه دارس أن يشرف له على رسالته للحصول على الدكتوراه فقبل ورحب وأبدى كل صنوف الشهامة واستعداد التعاون، وقد كان.
يوم مناقشة البحث وإجازته لدرجة الدكتوراه بدأ الأستاذ المشرف - الذي يتوسط لجنة من ثلاثة من الأساتذة - في تقديمه للطالب والرسالة وصعوبة الموضوع، وأسهب في بيان مدى ما بذله الطالب من جهد مضن في جمع المعلومات وتوظيفها، والخروج من ذلك برؤية خاصة جديرة بكل الاعتبار. وقد أفاض وأطال في الثناء على الرسالة شكلا وموضوعا حتى استنفد أغلب الوقت. في أثناء هذا لاحظ الذين حضروا المناقشة أن الأستاذ الجالس إلى يمين المشرف متوتر، يعطي اشارات بيده دون كلام للأستاذ الذي لم يفهمها، كأنما يريد أن يقاطعه، أو كأنه مترجم لكلام المشرف إلى لغة الاشارة كي يستوعب الصم والبكم من الحاضرين، على نحو ما نرى في بعض نشرات الأخبار بلغة الاشارة، ويبدو أن الأعراف أو التقاليد الجامعية هي التي كانت تمنع أستاذ الميمنة من الكلام، لأنه ما أن أمسك المشرف كوباً من الماء ليبلل فمه الذي جف من الكلام، حتى انتهز الدكتور المقهور الفرصة وصاح: «كفاية يا دكتور..، هذه الرسالة كلها بالحرف الواحد منقولة من كتاب لك أنت، وأنت لا تدري!» وأخرج كتابا من تأليف المشرف ومده اليه قائلا:«أخرج لي من رسالة الطالب حرفا واحدا يزيد على كتابك..» . ضجت القاعة، ولكن المشرف الذي تأكد أن الطالب سطا على كتاب له كان قد نسيه - ربما مثلما نسي غيره من كتبه - قال: اذا كان الأمر كذلك فأظن أن بحثي يستحق الدكتوراه، أعطوها له لأن عندي واحدة أخرى.
القصة حقيقية، فكيف نصنفها؟ مزحة أم كارثة؟ كوميديا أم مأساة ؟
لا يعنينا ما فعله الطالب رغم ما فيه من فجر، فقد كان بوسعه أن يسطو على أستاذ مجهول لا أن يغامر بالسطو على مشرفه الذي يفترض أنه راجع معه الرسالة فصلا بعد فصل وأعطاه أمر الطباعة، وانما يعنينا موقف الأستاذ الذي نسي ما كتبه بنفسه في دراسة المفترض أنه عكف عليها حتى استوت بين يديه، خاصة وأنه أستاذ كبير السن والمقام، لكنني فيما أظن لدي تفسير لهذا الأمر..
في الماضي البعيد كان على الباحث أن يركب حماره ويسافر من الغرب إلى الشرق ليؤكد إسناد رواية حديث، أو ليحصل على هامش في كتاب مهمل يؤكد له صحة ما رواه.. كان البحث توثيقا بالاطلاع والسمع من المصادر ولا شيء يغني عن السمع والرؤية، ثم وفرت المطابع والتوزيع والترجمة هذا الجهد وجمعته داخل قاعة واحدة في احدى المكتبات العامة، ثم وفرت التقنيات الحديثة عناء الانتقال من البيت إلى مكتبة عامة وجمعت كل احتياجات الباحث في مساحة 1سم *1سم هوحجم زر في الحاسب الآلي، يضغطه فتنهال المعلومات سيلا لا يتوقف.
هذا امتياز لعصرنا بما يوفره من وقت للباحث يتأمل فيه ما جمع ويجاور الحقائق ويخلص إلى النتائج ويعرض رؤية إبداعية جديدة تضاف إلى منجز السابقين، لولا أننا - بسبب هذه السهولة ذاتها - تعودنا سلوكا بحثيا آخر:
1 - افتح جوجل 2 - اكتب عنوان الموضوع 3 - ظلل كل النصوص 4 - استخدم الأمر «انسخ» 5 - استخدم الأمر «الصق» في مستند جديد، تخرج بكتاب شامل من ألف صفحة في خمس دقائق، وكنصيحة أساسية: «لا تضيع وقتك في قراءة ما تنقل أو مراجعته فقد قام غيرك بهذه المهمة»